نقلا عن مقال بعنوان ـ( مُلك النّبوّة ( 3 ) ــ مجالس التّذكير ــ )ـ للأستاذ العلاّمة عبد الحميد بن باديس , والذي نشرته مجلّة الشّهاب في جُزئها الرّابع من المجلّد الخامس عشر , الصّادر في غُرّة ربيع الثاني 1358 هجريّة الموافق ل 21 ماي 1939 للميلاد :
<< تاريخ وقُدوة : تُفيدنا الآية صورة تامّة لنظام الجُنديّة في مُلك سُليمان , فقد كان الجُنود يسرّحون من الخدمة ويجمعون عند الحاجة , وكانت أعيانُهم معروفة مضبوطة , وكانت لهم هيئة تعرفهم وتضبطهم وتجمعهم عند الحاجة , وكان لهم ضبّاط يتولّون تنظيمهم وكان النّظام مُحكما لضبط تلك الكثرة ومنعها من الاضطراب والاختلال والفوضى .
تعرض علينا الآية هذه الصّورة التّاريخيّة الواقعيّة تعليما لنا وتربيّة على الجُنديّة المضبوطة المُنظّمة , ولا شكّ أنّ الخُلفاء الأوّلين قد عملوا على ذلك في تنظيم جيوشهم وإنّ مثل هذه الآية كان له الأثر البليغ السّريع في نُفوس العرب لمّا أسلموا فسُرعان ما تحوّلوا إلى جُنود مُنظّمة ممّا لم يكن معروفا عندهم في الجاهليّة وبقيت الآية على الدّهر مُذكّرة لنا بأنّ النّظام أساس كلّ مُجتمع واجتماع , وأنّ القوى والكثرة وحدهما لا تُغنيان بدون نظام وأنّ النّظام لا بدّ له من رجال أكفّاء يقومون به ويحملون الجُموع عليه , وأولئك هم الوازعون >> .