من خطاب أمين مالية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي ألقاه في الاجتماع العام لهذه الأخيرة , نقلا عن جريدة الشريعة في عددها الثاني الصادر يوم الاثنين 1 ربيع الثاني ه الموافق ل 24 جويلية 1933 م :
السعادة مطلب كل عاقل وأحمق ,وإنّما يمتاز العاقل بإصابة سبيلها , أما غيره فتلتبس عليه الطرائق حتى يظن أنه على سبيل نجاة وهو على شفا حفرة من الهلاك .
ألا وإن سبيل السعادة الاستقامة , ووسيلة الاستقامة التربية الحسنة , ولا غنى لبشر عن التربية والتهذيب.
واعلم بأن الناس من طينة *** يصدق في الثلب لها الثالـب
لولا علاج الناس أخلاقهـم *** إذا لفاح الحمأ الــــــــلازب
والرب أول وصف وصف الله به نفسه في فاتحة كتابه العزيز , ولعل وجه أوليته التنبيه على أهمية التربية , و إن في تكرار الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا ما يحول دون الغفلة عن هذه الأهمية .
والمرء ما دام كلا على غيره مكفولا لأبويه أو أحد أوليائه فالكافل له مطالـب بتربيته لآية (<< يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة >>) قال علي بن أبي طالـب [رضي الله عنه ] وكرم وجهه مفسرا للآية :
<<علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم >> فإذا بلغ المرء أشده وأصبح عضوا عاملا في الهيئة الاجتماعية فإن كان عاميا فعليه أن يتطلب أهل العلم لتربيته لآية : (<< فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون >>) وإن كان عالما فعليه الإرشاد وبذل النصيحة للآيات والأحاديث الكثيرة في هذا المعنى .
ولقد كان سلفنا صالحا بهذه التربية ثم خلفتهم أجيال أبعدها عن التربية أبعدها عن زمنهم. فكان حظها من الذل والشقاء على نسبة تفريطها في تلك التربية الإسلامية وكانت مصداق آية (<< فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون>>) .
وقد يعتذر المخذول لقسوة قلبه وفسوق جوارحه بطول العهد وبعده عن السلف الصالح,ولقطع هذا العذر قفى الله على تلك الآية بما يحذر من اليأس ويبعث على الرجاء ,فقال ــ جلت حكمته ـــ :(<< اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها >>)
ولهذا لم تعدم الأجيال البعيدة عن عهد السلف الصالح علماء مرشدين وصلحاء مربين وإن اختلفوا قلة وكثرة وظهورا وخفاء وعافية وابتلاء, وهؤلاء المرشدون والمربون هم المعنيون بقول ابن عاشر رحمه الله:
يصحب شيخا عارف المسالك *** يقيه في طريقه المهالـك
يذكـــــــــــــــــره الله إذا رءاه *** ويوصل العبد إلى مولاه
< السابق | التالي > |
---|