ترجمة الشيخ الأصولي الشريف التلمساني

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 5
سيئجيد 

 

حياة الشريف التلمساني

اسمه و مولده :

هو محمد بن احمد بن علي الشريف الإدريسي و كنيته : أبو عبد الله ، ولقبه و شهرته : الشريف التلمساني ، ويعرف أيضا بالغلوي ، واشتهر بذلك نسبة إلى قرية من أعمال تلمسان تسمى العلوين ، كما يعرف بابي عبد الله الشريف ، ويكتفي تارة بلفظ الشريف ، وكثيرا ما كان أهل عصره ومن بعدهم ينعتونه ببعض الألقاب بحسب الاعتبار الفقهي أو العلمي أو الأصولي أو بعض مؤلفاته كالإمام أو الشيخ أو عبارة صاحب المفتاح أو شارح الجمل للخونجي .

ولد الشريف التلمساني سنة عشر و سبعمائة )710هـ ـ 1310م(أسرة علم وتقوى و شرف ونباهة و نبل و صلاح و حسن تدين .

2 ـ نشأته :

ولد أبو عبد الله الشريف التلمساني وسط أسرة عربية أصيلة و شريفة ، حيث آن مرد نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، واتسمت هذه الاسرة بالعلم والنباهة و الوجاهة و حسن التدين ، و في كنف هذه البيئة الخصبة و تحت رعاية خاله عبد الكريم و حرصه الشديد عليه نال أبو عبد الله الشريف حظه من التربية و التعليم في سن مبكرة ، ساعده ذلك على تنمية مواهبه الفكرية و قدراته الذهنية ، الأمر الذي مهد إمامه آفاقا فسيحة تبشر بغد مشرق بالعلم والمعرفة .

وكان الأمراء الزيانيون يولون أهل العلم رعاية خاصة فأسسوا المدارس ، وانشئوا المكتبات العامة ومنحوا للطلبة ما يساعدهم على تحمل أعباء دراستهم ، كل ذلك كان له اثر مهم في بعث الحركة الفكرية وميول الكثير من الطلبة على اقتناء العلوم المختلفة من عقلية ونقلية و إتقانها ، فقد كانت تلمسان في عهد الزيانيين مركزا ثقافيا هاما و بلد إشعاع علمي يضاهي أهم مراكز المغرب الثقافية ، وفي وسط هذا المناخ العلمي المناسب نشأ أبو عبد الله الشريف و ترعرع فيه ، محبا للعلم مجدا في طلبه يساعده ذكاؤه الوقاد و إرادته الجدية و يدفعه حرص شديد و رغبة أكيدة صادقة في اكتساب المعارف العلمية المختلفة و التبحر فيها سالكا فيها هدي العلماء العاملين و مقتديا بهم سلوكا وأخلاقا .

3 ـ طلبه للعلم :

بدأت هذه المرحلة الدراسية في سن مبكرة مذ كان ابو عبد الله الشريف تحت رعاية خاله عبد الكريم حيث كان يصطحبه معه إلى مجالس العلم والعلماء ، فظهرت نجابته و قدراته الذهنية و مواهبه الفكرية منذ صغره ، فأحب العلم ومجالس العلماء فاقبل عليه بأخلاق مرضية ، وكان خاله يوجه ابن أخته التوجيه الحسن بعد ظهور علامات النجابة عليه و يلازمه ويحرص على تعليمه ، وقد ذكر الونشريسي في " القول المنيف "انه حضر يوما مجلس ابي زيد ابن الإمام في تفسير القرآن ف\كر نعيم الجنة ، فقال له الشريف ـ وهو صبي ـ هل يقرأ فيها العلم ؟ فقال له : نعم فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين . فقال له : لو قلت لا لقلت لك : لا لذة فيها " فعجب منه الشيخ و دعاه له .

ففي تلمسان اهتم في أوائل دراسته بقراءة القرآن ، فأخذه عن الشيخ ابي زيد ابن يعقوب .

و بعد أن اكتمل فنون متعددة في سن مبكرة وجد أبو عبد الله الشريف في نفسه عزما قويا و رغبة ملحة في المزيد من طلب العلوم فارتحل صوب مدينة فاس أين استفاد من مجموعة من المشايخ في شتى الفنون ، وفي سنة 740 هـ ـ 1339م ارتحل إلى تونس ولقي هناك مجموعة كبيرة من المشايخ واستفاد منهم الكثير .

ثم رجع أبو عبد الله الشريف إلى مسقط رأسه تلمسان بعدما وصل في التفنن الى غاية ، فقضى جل أوقاته في تدريس العلم وإرشاد العامة ، فأحيا السنة و امات البدعة و ذاع صيته بين الأمصار و الأقطار لما كان يمتاز به من ذكاء و تدقيق و إدراك سليم للحقائق و أخلاق عالية مع سلامة العقل جاريا على نهج السلف فاقبل عليه الناس و التفوا حوله على اختلاف طبقاتهم ، فملا المغرب علوما ومعارف ، وتخرج على يده عدد كبير من الطلبة و العلماء .

هذا ، ويذكر انه ابتدأ التدريس و هو ابن احد عشر عاما)11(، فأقرأ العلوم الشرعية و العقلية و الحديثة في زمن شيوخه مع شهادتهم له بوفور العقل و حضور الذهن .

4 ـ شيوخ الشريف :

تلقى الشريف العلم خلال مرحلته التحصيلية عن طائفة من شيوخه داخل تلمسان و خارجها لذلك نتعرض إلى جملة من شيوخه بتلمسان و من خارجها .

فمن شيوخه بتلمسان :

ـ القاضي ابن هدية القرشي المتوفى سنة 736هـ ـ 1335م .

ـ أبو المجاصي المتوفى سنة 741هـ ـ 1340م .

ـ القاضي أبو عبد الله التميمي المتوفى سنة 745هـ ـ 1344م .

ـ أبو عبد الله ابن النجار المتوفى سنة 749هـ ـ 1348م .

ـ أبو موسى المشدالي المتوفى سنة 745هـ ـ 1344م .

ـ ابنا الإمام التنسي البر شكي )أبو زيد عبد الرحمن المتوفى سنة 743هـ ـ 1342 م/ أبو موسى عيسى المتوفى سنة 750 هـ ـ 1349م (.

ـ القاضي بن عبد النور المتوفى سنة 749هـ ـ 1348م.

ومن شيوخه خارج تلمسان:

لقد اخذ الشريف العلم خارج تلمسان من علماء فاس وتونس ،

فأما من فاس :

ـ عبد المؤمن الجاناتي المتوفى سنة 746هـ ـ 1345م .

ـ أبو عبد الله السطي المتوفى سنة 749هـ ـ 1348م .

ـ أبو عبد الله الآبلي المتوفى سنة 757هـ ـ 1356م .

و أما من تونس :

ـ أبو عبد الله ابن عبد السلام المتوفى سنة 749هـ ـ 1438م .

5 ـ تلامذته :

ـ ابن زمرك الوزير المتوفى سنة 795هـ ـ 1392 م .

ـ أبو زيد ابن خلدون المتوفى سنة 808 هـ ـ 1405 م .

ـ الخطيب أبو سعيد ابن لب المتوفى سنة 782 هـ ـ 1380 م .

ـ لسان الدين ابن الخطيب المتوفى سنة 776هـ ـ 1374 م .

ـ أبو إسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790هـ ـ 1388 م .

6 ـ آثار الشريف التلمساني العلمية :

أ ـ كتبه :

ـ مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول .

ـ مثارات الغلط في الأدلة .

ـ شرح جمل الخونجي .

ـ كتاب في القضاء و القدر .

ـ كتاب في المعاوضات أو المعاطاة .

ب ـ أجوبته :

ـ مسالة ثبوت الشرف من جهة الأم . ـ مسالة فيمن أوصى بثلث ماله و اشترط انه لا يرجع في وصيته. ـ مسالة رجوع المنفق فيما أنفقه . مسالة الأصل إفراد كل يمين بكفارتها و عدم إشراكها مع غيرها . مسألة في شرح حديث

" حبب إلي من دنياكم ثلاثة " . مسألة قول الإمام المرجوع عنه . مسائل متعلقة بإشكالات في المنطق و الفلسفة و الكلام .

و للشيخ العديد من الرسائل الاجتهادات و الفتاوى و الاختيارات الفقهية و الأصولية .  

 7 ـ صفات الشريف التلمساني الخَلقية و الخُلقية :

أ ـ الصفات الخَلقية :

من صفاته الخَلقية: حسن الهيئة و جمال الوجه و كثرة التبسم ، قال الونشريسي في القول المنيف : " كان من أحسن الناس وجها و قدرا مهيبا ..." جميل العشرة بساما منصفا .

 

ب ـ الصفات الخُلقية:

لقد اتفق المترجمون على أن الشريف التلمساني كان يتوفر على صفات عالية و نادرة تدل على النبوغ و العبقرية و الملكات الفكرية الحادة و ال1هن الثاقب ، وعلو الشأن ، وانه كان على جانب كبير من التواضع و حسن الخلق و جمال الطبع و انس المعاشرة علو الهمة .

8 ـ وفاة الشريف التلمساني :

بعدما استقر ابو حمو الثاني بتلمسان استدعى في أول إمارته أبا عبد الله الشريف التلمساني من " فاس " فسرحه القائم بالأمر يومئذ الوزير عمر بن عبد الله ، و تلقاه أبو حمو براحتيه بنى له مدرسة و كلفه بتدريس العلم فيها ، فأقام الشريف يبث فيها العلم من خامس شهر صفر 765هـ ـ 1363م فختم تفسير القرآن ، وبقي ينشر العلم إقراء و تأليفا و نسخا ، ولما كانت سنة وفاته وصل في التفسير إلى قوله تعالى " يستبشرون بنعمة من الله وفضل " ، فمرض ثمانية عشر يوما ، ثم مات ليلة الأحد رابع ذي الحجة سنة إحدى و سبعين و سبعمائة )771هـ ـ 1370م (فرثاه الفقيه أبو علي حسن بن إبراهيم بن سبع بقصيدة طويلة ، وتأسف السلطان أبو حمو لموته أكثر من سواه ، فكثيرا ما كان يرسله سفيرا إلى المغرب و تونس ، فحضر جنازته و أمر أن يدفن عند قبر والده أبي يعقوب بالمدرسة اليعقوبية ، وأرسل أبو حمو إلى ولده أبي محمد عبد الله فأكرمه و قال : ما مات من خلفك و إنما مات أبوك لي ، لأنني أباهي به الملوك " ، ثم ولاه مدرسة والده ورتب له جميع مرتباته.

مقتبس من ترجمة الشيخ الدكتور محمد علي فركوس له

في دراسته لكتابي " مفتاح الوصول" و" مثارات الغلط"