السّنّة المُطهّرة : تكثير السّواد

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 2
سيئجيد 

السّنّة المُطهّرة :  تكثير السّواد ([1])

<< من كثّر سواد قوم فهو منهم >>

        عن أبي الأسود قال : << قُطِعَ على أهل المدينة بعثٌ , فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة فأخبرته فنهاني أشدّ النّهي , ثمّ قال : أخبرني ابن عبّاس أنّ أناسا من المسلمين كانوا مع المُشركين يُكثرون سواد المُشركين على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيأتي السّهم فيُرمى فيُصيب أحدُهم فيفتُله أو يضربه فيقتله فأنزل الله تعالى (<< إنّ الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم >>) رواه البُخاريّ في كتاب الفتن .

        الألفاظ : سواد القوم : أشخاصُهم , قُطع عليهم بعث : فُرض عليهم جيش يُبعث للقتل , اكتتبت : كتب اسمه في جُملة الجيش .

        المعنى : كان عبد الله بنُ الزّبير قائما بمكّة , وكان عبد الملك بن مروان بالشّام , والفتنة مُشتعلة بين المسلمين بسبب النّزاع ما بينهما , فكان عبد الله بنُ الزّبير يبعث البُعوث من الحجاز إلى قتال عبد الملك بالشّام ففرض على أهل المدينة جيشا فكتب فيه أبو الأسود محمّد بن عبد الرّحمن الأسدي اسمه ليكون من جُملته , ثمّ لقي عكرمة مولى ابن عبّاس , فذكر ذلك له , فنهاه عكرمة عن أن يكون في ذلك الجيش , وأخبره عن ابن عبّاس بما كان من سبب نُزول قول الله تعالى : (<< إنّ الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم >>) وهو أنّ قوما من المسلمين كان المُشركون يُخرجونهم معهم , لا ليُقاتلوا المُسلمين , وإنّما ليُكثّروا سواد المُشركين , ويُظهروا عظم جيشهم , وكثرة عددهم في أعين المُسلمين , فكانوا يُقتلون بما يُصيبهم من رمي السّهام وضرب السّيوف , فواخذهم الله لمُجرّد تكثيرهم سواد المُشركين , وإن لم يُشاركوهم في القتال , ولا حضروه طائعين , وأنزل الآية الكريمة فيهم .

        المُطابقة : ذكر عكرمة هذا لأبي الأسود لأنّه أفاد حُكم الله فيمن كثّر سواد المُقاتلين للمسلمين دون أن يُقاتل , أو يكون راضيا أو طائعا بالحُضور , فكيف بمن اكتتب للقتل مثل أبي الأسود ؟ ولا فرق في المُؤاخذة في قتال المُسلمين , بين أن يكون مع المُشركين , أو مع مُسلمين في الفتنة .

        الأحكام : من حضر مع قوم وكثّر جمعهم فهو منهم وشريك لهم في عملهم , سواء أكان خيرا أم شرّا كما يُفيده الحديث الذي جعلناه ترجمة , وهو في مُسند أبي يعلى , فأمّا في الشّرّ فالنّصّ فيه حديث ابن عبّاس هذا , وأمّا في الخير فحديث أبي هُريرة في الصّحيح , في القوم الذين يجتمعون فيُسبّحون الله ويُكبّرونه ويُهلّلونه ويحمدونه ويسألونه , ويستجيرونه ويستخيرونه ويستغفرونه , فيقول الله للملائكة عليهم السّلام : قد غفرت لهم , فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا, فتقول الملائكة : ربّ فيهم فُلان عبد خطّاء , إنّما مرّ فجلس معهم , فيقول الله تعالى : وله غفرت ,همُ القوم لا يشقى بهم  جليسهم.

        الاهتداء : فحقّ على المُسلم أن يختار من يُصاحب من رُفقة , أو يُجالس من جماعة , أو يُكثر من سواد قوم فإنّه مُحاسب على أعماله , ومن أعماله مُجرّد حُضور بدنه .

        جنّبنا الله الفتن ودُعاتها , والمظالم وأهلها , وكثّر بنا سواد المُؤمنين , واحشُرنا في زُمرة الصّالحين , آمين .        



  : مجلّة الشّهاب الجُزء الرّابع المُجلّد الخامس عشر .( [1] )