<< إنّ ما اعترف به هذا الطرقي كله حقائق واقعة يعرفها كل من عرف هذه الطرق من أهلها ومن غير أهلها , ونحن إنما ننشرها لتحذير سواد كثير من الناس حفظهم الله من الوقوع في هذه البلايا لئلا يقعوا فيها , ولتنبيه الواقعين فيها على قبحها عساهم ينفكون عنها , لا للتشهير ولا للتشنيع والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل >> .
كنّا جماعة من النّاس يوفى عددها على العشرين , وكنت أنا أتحدث إليهم عن رجل كنت عرفته منذ ثلاث عشرة سنة في بلدة . . . . من بلاد . . . . كان طرقيا متعصبا ثم تاب وأصلح ولم يعد يؤمن بخرافة ولا طريق وكانت بيني وبينه معرفة وصحبة . وهو حينما كان طرقيا كان لا يفرح بانتشار الإسلام كما يفرح بانتشار الطريقة التي ينتسب إليها , فإذا سمع برجل دخل دين الله سأل عنه هل اعتنق << طريقته >> أم لا فإذا لم يعتنقها تثاقل وتصامم , وإذا سمع أن مسلما اعتنق الطريقة التي يعتنقها هو اهتز طربا , وكاد يطير من شدة الفرح والسرور , وإذا نزل بالإسلام أي مكروه تصامم صاحبنا كأنّ الأمر لا يعنيه ولا يعني دينه , أمّا إذا أصابت << طريقتة >> مصيبة ما , اغتمّ لها واهتم .
وقلت لهم إن هذا الرجل كان مضى ذات يوم إلى بلدة . . . لبعض شأنه ــ وهو لا يزال يومئذ طرقيا ــ فاجتمع عند << قائدها >> بطالب من طلبة العلم وكان << القائد >> لا ينتسب إلى الطريقة التي ينتسب إليها صاحبنا , بل كان رجلا مصلحا لا تشوب عقيدته شائبة من شوائب الشرك والضلال وظنّ الرجل بالطالب سوء الظنّ فكرهه واجتواه واحتقره وازدراه , لا لشيء سوى أنّه ( فيما ظنّ ) يخالفه في الطريق وليس << أخاه من الشيخ >> ولمّا رجع إلى بلده جعل ينتقد الطالب وينكر عليه ويقول عنه أنّه ليس من أصحاب << التحصيل >> وأنّ نصيبه في العلم تافه قليل وأنّه << مدمن على شرب الدخان >> وكنت أنا أنهاه عن هذا الغلو في الإنكار فلم يكن يحفل بما أقول , وما هي إلا أن مضى علينا شهر واحد حتى كان عيد الأضحى , فزار صاحبنا << الزاوية >> التي ينتسب إليها بمناسبة هذا العيد فيمن زارها من الأتباع والمريدين , فلقي فيها ذلك ( الطالب ) بعينه وقد صار أستاذا يعلم أبناء الزاوية ويلقي فيها على الناس بعض الدروس فرجع الرجل يمدح هذا الطالـب ويطربه ويبالغ في المدح والإطراء وقال لي : لقد حضرت أنا نفسي على هذا ( الشيخ ) درسا في التوحيد يلقيه على ( أسيادنا ) فظننت أن الإمام الأشعري هو الذي يلقي هذا الدرس علينا , فقلت لقد أصبح الطالب في نظرك شيخا نظير الإمام الأشعري ولكن في أي مسألة من مسائل التوحيد كان درس هذا الشيخ ؟ قال كان في مسألة ( كرامات الأولياء )وقد ذكر من كرامات شيخنا أكثر من مائة وخمسين كرامة , فقلت له : يا فلان هل نسيت ما كنت تقوله يوم لقيت هذا الطالـب في . . . من أنه قليل العلم مدمن على التدخين فقال : أمّا ما قلته عنه من قلة العلم فقد كنت مخطئا فيه , واليوم تبين لي أنه غزير العلم وحسبك أنه أستاذ لأسيادنا وأمّا أنه مدمن على شرب الدخان فهذا أمر لا بأس به , لأن أسيادنا هم أنفسهم يدخنون ويدمنون على التدخين ويدمنون على ما هو أكثر من الدخان أيضا من غير أن يقدح ذلك في مروءتهم أو في دينهم , فقلت : إن المدمنين على هذه الآفات هم ممن لا مروءة لهم ولا دين , قال لا يقول كلامك هذا إلا من كان << مسلوبا من الإيمان >> قلت : ويحك , فهل تعتقد أن تعاطي هذه الآفات هو أمر مباح ؟ قال : لا , ولكني أعتقد أن الإنكار على << أسيادنا >> لا يجوز مهما ارتكبوا من الكبائر والموبقات , قلت : وهل << أسيادك >> هم فوق الشرع الشريف حتى لا تنالهم أحكامه ؟ قال دعنا من هذا الكلام .وذكرت لهم أن هذا الرجل قد تاب وأصلح , وأصبح لا يؤمن بسيادة هؤلاء بل يسمي محسنهم محسنا ومسيئهم مسيئا وأصبح لا يشرك بالله شيئا لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا وليا صالحا وقد لقيته أخيرا فإذا هو من المصلحين وقد حدّثني عن نفسه كثيرا , وكان إذا ذكر الأيام التي كان فيها طرقيا وصفها بأنّها أيّام ( جاهلية ) فيقول عن نفسه : كنت في ( جاهليتي ) أعتقد كذا وكذا . . وأفعل كذا وكذا . . ) .
وكان في الحاضرين طرقي قديم قد انظم إلى المصلحين أخيرا فقال : وأنا الآخر كنت طرقيا , وكنت متعصبا عنيدا , لا أحب إلا طريقتي وإخواني فيها , وكنت أحمل كراهية شديدة لأتباع الطرق الأخرى الذين ليسو ( إخواني في الشيخ ) ! وكل إخواني في الطريق يبغضون من لا يكون على طريقتهم ويستدلون لهذه البغضاء التي يحملونها لإخوانهم المسلمين بقوله تعالى : (<< . . . ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم . . . >>) ويعتقدون أنّ هذه الآية الكريمة إنّما تحثك على أن تحب أخاك في الطريق وتحثك على أن تقاطع المقاطعة التّامة كل من لا يكون معك على دينك أي على محبة الشيخ ! وأنا نفسي ما فهمت هذه الآية على وجهها إلا بعد أن حضرت درسا لعالم من هؤلاء العلماء المصلحين , فقد سمعته ينهي عن بغض الغير ومن كراهيته لمجرّد أنّه يخالفك في الدين أو العقيدة , واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (<< وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون , ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم . . . >>) وهنا فقط عرفت أنّ إخواني في الطريق قد حرّفوا هذه الآية الكريمة عن موضعها وأن طائفة من أهل الكتاب هم الذين يتواصون بكراهية الغير وببغض من لا يتبع دينهم فيما حكى الله عنهم بقوله (<< ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم >>) وقد ردّ عليهم الله تعالى هذا القول فقال : (<< قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم >>) وهكذا كثير من الآيات تكون في الحث على الخير ولكننا نفهمها على عكس المراد , وكان من كراهيتنا لأتباع الطرق الأخرى أننا لا ننزل ضيوفا إلا على من تبع ديننا ( طريقتنا ) ولا نكرم ضيوفا لا يكونون على طريقتنا ولا نجتمع معهم في حلقة ذكر , وأذكر أن رجلا كان أخانا من الشيخ له مكانة بيننا وكنا نحبه ونحترمه وما هي إلاّ أن أخبرنا أحدنا بأنه رآه في بلدة أخرى في حلقة ذكر لطائفة أخرى حتى كرهناه وهجرناه , وأخبرنا سيدنا به وبما فعلناه , فقال نِعمَ ما فعلتم لا تتساهلوا فيمن يخل بشيء من آداب الطريق ولا تخالطوا من يفسد عليكم نيتكم في الشيخ , ولا تُصلّوا وراءهم وكل من صلّى منكم وراء إمام ليس على طريقتنا ولا يجتمع معنا على محبة الشيخ فصلاته باطلة تجب عليه إعادتها , وسأل رجل وقال: يا سيدنا إني أريد أن أستشيرك في أمر يهمني , قال : وما هو ؟ قال إن ابني قد كبر وأردنا أن نزوجه وخطبنا له كريمة فلان إلى أبيها فوعدنا خيرا ولكنّها من بنات طريقة أخرى لا من بنات طريقتنا , وهي فتاة من الفتيات الصالحات , فقال له سيده وكيف تكون صالحة وهي ليست من بنات طريقتنا ؟ ولم تدخل زاويتنا قط ! فقال الرجل عسى الله أن يهديها فتعتنق طريقتنا وتزور زاوية سيدنا ! فقال له سيده : اشترطوا عليها أن تترك طريقتها إلى طريقتنا فإذا رضيت بهذا الشرط فذلك ما كنا نبغي , وإلا فلا تعزموا عقدة النكاح , وتكلم له رجل وقال : يا سيدي إن الآنسة فلانة التي توفي عنها أبوها أخيرا وكانت من بنات طريقتنا قد أعجب بها فتى ليس منّا فأبت أن تقبله لها بعلا حتى يترك طريقته إلى طريقتنا , وقد تزوجها على هذا الشرط وأصبح أخا لنا في الشيخ , فقال سيدنا أحسنت هذه الآنسة وهي محبّة في الشيخ وإنّ عملها هذا هو من الصالحات ومن أفضل ما يقربها إلى الله زلفى , ففرحنا نحن بها وصرنا نسميها سكينة تشبيها لها بسيدتنا سكينة بنت زين العابدين رضي الله عنا .
قال الراوي : ولا أكتمكم أنه قد يكون بيني وبين الرجل صلة القربى , وقد تجمعني به كل الروابط والصلات , وقد يكون مهذبا ولكنني لم أكن أثق به ولا أطمئن إليه , لا لشيء سوى أنه لا يوافقني في الطريق ! وقد يكون الرجل لا قرابة بيني وبينه وليس بيننا أية صلة أخرى ولكني أثق به وأطمئن إليه , وأشعر نحوه بحب شديد لا لشيء سوى أنه أخي من الشيخ , وهذا هو ما كان يوصينا به أسيادنا ورؤساء طريقتنا جميعا وكان اليهود في بعض نواحي الصحراء قد دخلوا هم أيضا في الطرق الصوفية من غير أن يدخلوا في الإسلام , وكان قد اعتنق طريقتنا منهم عدد غير قليل فجعل سيدنا عليهم << مقدما >> يهوديا منهم .
قال الراوي : ولا أكتمكم أننا كنا نحب هذا المقدم اليهودي ونحب هؤلاء اليهود الذين هم إخواننا من الشيخ أكثر مما نحب أي مسلم من المسلمين الذين يتبعون الطرق الأخرى , وكما أنّ اليهود يسمون غيرهم ــ الكويسيم ــ فإننا نحن أيضا نسمي غيرنا من المسلمين باسم القراميط .
وبالجملة فلم نكن نعرف الحب في الله , والبغض في الله وإنما كنا نعرف الحب في الشيخ والبغض في الشيخ , على أن الطرق الأخرى يحمل أتباعها لنا من الضغينة والحقد أكبر مما يحمل لهم أتباع طريقتنا فقد جربت ذات يوم أن أتودد إلى أهل طريقة فرفضوا ِودَادي , وذلك أني جلست معهم في حلقة لهم عقدوها لتلاوة أورادهم وكان من عادتهم أن يغمضوا أعينهم عند تلاوة هذه الأوراد , وكان من عادتنا نحن أن نفتح أعيننا وأن لا نغمضها عند قراءة الأوراد وما هي إلا أن عرفوا أني لا أغمض عيني حتى طردوني وقالوا لي أنت لست من طريقتنا . وكنت أعتقد أن الرجل منا إذا بسط الله له في الرزق , فربحت تجارته أو صلحت ذرّيته أو بارك الله له في عمل من أعماله فليس معنى ذلك أن العناية الربانية قد حفت به , بل معنى ذلك أن معه همة الشيخ , ولا نطلب من أحدنا أن يحسن ظنه بالله بل نطلب منه أن يحسن ظنه بالشيخ ! ولا نقول من مات وآخر كلمة قالها لا إله إلا الله دخل الجنة بل نقول : من مات وهو يلهج باسم الشيخ دخل الجنة دون حساب ولا عقاب , وقد مات رجل منا فجاء أقاربه إلى سيدنا رئيس الزاوية المركزية وقالوا له لقد بقي اسم الشيخ سيدي فلان جدك في فم المرحوم إلى النفس الأخير من حياته , فقال سيدنا مات شهيدا وهو اليوم في أعلى عليين !
وكان لطريقتنا مقدم في إحدى النواحي قد توفي إلى رحمة الله وأراد شيخنا صاحب الزاوية أن يسمّي لطريقتنا مقدما آخر في تلك الناحية ودعانا إليه نحن خواصه يستشيرنا فيمن يصلح أن يخلف ( المقدم ) المرحوم في مهمته , فدللته أنا على طالب علم فقيه من أهل تلك الناحية كلمته عندهم مسموعة وله عليهم نفوذ , فقال سيدنا : إيّاكم من الفقهاء وإيّاكم من طلبة الوقت , فإنّهم زنادقة المقت << لا نية لهم >> وهل رأيتم تيسا يدر << ويحلب >> ؟ قلنا : اللهم لا , قال : كذلكم الطالب << لا يزور >> ولا خير فيه . . . وتكلم آخر فدلّه على رجل هو من عباد الله الصالحين المتقين لم يعرف أهل ناحيته أمتن منه دينا , ولا أصلح منه حالا , فقال لنا سيدنا : وهذا الرجل أيضا لا يصلح لنا , قلنا : ولماذا ؟ قال لأنه من الذين لا يجدون ما ينفقون , ونحن في حاجة إلى صاحب ثروة ويسار , إذا نزلنا في ضيافته أكرمنا وأطعمنا وسقانا ممّا تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد تكون معنا حاشية وخدم وننزل عنده على الرحب والسعة وإذا كنا نريد الزيارة أجزل لنا الهبة والعطاء . . . فقلت في نفسي إن سيدنا في الحقيقة يريد صاحب فندق ( هوتيل ) يقيم فيه مجانا لا يدفع أجرة الخدمة والمبيت ولا ثمن الطعام والشراب , وما أظنّه يريد مقدما للطريق . وأرسَلنا سيدنا إلى رجل صاحب ثروة عظيمة في تلك الناحية , وأخبرناه أنّ سيدنا قد أنعم عليه فجعله مقدما , وكان رجلا قتل الدهر تجربة وخبرا , فأبى وامتنع من القبول , فطلبنا منه أن يقبلها لابنه , فقال ويحكم يا هؤلاء ! وكيف أرضى لابني ما لا أرضاه لنفسي ؟ ودعا بابنه وقال له ونحن نسمع : يا بني هل تريد أن تكون خادما ؟ قال لا . قال : إذا أنا أفضيت إلى عملي فإيّاك أن تكون << مقدما >> لأية طريقة من هذه الطرق , فإنك إذا فعلت نزل عليك الشيخ بخيله ورجله فإذا دارك فندق << مجاني >> وإذا أنت وعيالك وأولادك تقومون على خدمته وخدمة حاشيته , ثم إذا ربحت وأفلحت قال الناس لقد أفلح ببركة الشيخ وإذا أصابك مكروه قالوا << دقّّه >> الشيخ وظنوا بك الظنون , وإذا أنت رضيت أن تكون مقدما فاعلم أن الشيخ لا يكفيه منك يومئذ قليل ولا كثير , فخير لك أن تترك هذا الأمر للذين قد يتعايشون عليه . ورجعنا إلى الزاوية لنخبر << سيدنا >> بما جرى وكنا في مساء الجمعة فلم يقابلنا لسفره إلى مكة , وهو يسافر إليها يوم الجمعة من كل أسبوع ولا يراه الزوار إلا يوم السبت , فانتظرنا إلى صباح السبت وأخبرناه بما وقع فتأسف واغتم كثيرا , وبعد ذلك عرفت السبب في أنه لا يرى الزّوار إلا يوم السبت , وذلك لأن يوم السبت هو يوم يتقاضى فيه العملة الأجراء أجورهم من مخدوميهم الإفرنج . أمّا يوم الجمعة فهو آخر الأسبوع يكون فيه << الزائر >> خالي الوفاض بادي الأنفاض لا يقدر أن يزور الزاوية فيه بشيء .
قال الراوي : وكنّا ذات يوم عند سيدنا فجعل يذاكرنا في مناقب الشيخ مؤسس طريقتنا فذكر لنا عنه كثيرا من الفضائل والمعجزات وذكر لنا أن مريده لا يشقى أبدا , وأنّه حرام على النار لا يدخلها مهما كان مذنبا عاصيا , وحثنا على الزيارة وقال : ــ زوروا تنوروا ــ وقال من زارنا بفرنك كتب له عند الله عشرة فرنكات , واستدلّ على ذلك بقوله تعالى (<< من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها >>) وقال : الحسنة هي ما تدفعه ( زيارة ) وهكذا يحرّف كثيرا من الآيات الكريمة , واستأذنه رجل في الكلام فقال أنّه رأى النّبي صلّى الله عليه وسلم وقصّ علينا رُؤياه قال ثمّ رأيت << الشيخ >> وأنت إلى يمينه وقال لي خذ العهد عن ابني هذا , ففرحوا جميعا بهذه الرؤيا , ونسوا رؤياه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يذكروها . وترى الواحد منهم يخطر بباله << الشيخ >> مائة مرة في اليوم ولا يخطر بباله النبي صلى الله عليه وسلم ولا مرة واحدة . وهم حينما يصلون عليه صلى الله عليه وسلم إنما يطيعون الشيخ في تلاوة صيغة الصلاة التي اختارها ودليل ذلك أن كل طائفة تتلوا صيغة شيخها ولا تتلوا الصلاة الإبراهيمية التي ورد بها الحديث الصحيح , وتجد الواحد منهم يحفظ كل ما ينتسب إلى شيخه من الفضائل والمناقب والمعجزات ويعتني بسيرته العناية كلها , ولكنه لا يعتني بشيء من سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .
قال الراوي : وبالجملة فتعاليم الطريقة التي كنت أعتنقها ــ ولا أظنّ غيرها إلاّ مثلها ــ إنّما ترمي إلى إسقاط التكاليف الشرعية فهي تدعو << المريد >> أن يُحسن النّية في الشيخ وأن ( يعبده مخلصا له الدين ) وله أن يتّكل على هذا الشيخ لكي يغفر له جميع السيئات والآثام وأن يجادل الله عنه يوم القيامة , وهذه العقيدة ربّما أغرت المريد باقتراف الفحشاء والمنكر اتكالا على ( الشيخ ) مع أنّ الله تعالى يقول : (<< ولا تزر وازرة وزر أخرى >>) .
قال الراوي : وأنا أشهد على نفسي التي اقترفت كثيرا من الكبائر والموبقات اتكالا على أنّ الشيخ سيجادل الله يوم القيامة , وأنّه سيكون لي هناك << محاميا >> ووكيلا , أشهد على نفسي أنّي فعلت ذلك حينما كنت طرقيا , أمّا اليوم وقد أصبحت مصلحا لا أتّكل على الشيخ بل أتّكل على الله , فأشهد أنّي كنت ذات يوم هممت بخطيئة من الخطيئات , وكدت أنغمس فيها فأجرى الله على لساني قوله تعالى : (<< ألم يعلم بأنّ الله يرى ؟ ! >>) فما تلوتها حتّى جمد الدّم في عروقي وأدركني من الخشية والخوف ما الله به عليم . وقد حفظني الله بعد ذلك اليوم فلم أقترف بعدها خطيئة ولا إثما . وهنا أمسك محدّثنا الظريف وأبى أن يمضي في حديثه , ونحن أشوق ما نكون إلى سماع مثل هذه الاعترافات . وهران محمد السعيد الزاهري ( الصّراط السّوي العدد الأوّل)
< السابق | التالي > |
---|