على هامش الحوادث : نقل الأستاذ العمودي إلى آفلو

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 

        نُبلغ حضرة الأستاذ الجليل الشّيخ محمّد الأمين العمّودي أمين السّر العام لجمعيّة العلماء المُسلمين الجزائريين , والمُحامي الشّرعي بالجزائر العاصمة بلاغا من حضرة رئيس النّيابة العموميّة ( وكيل الحق العام )يُخبره فيه بأنّه قد << نقله >> كرها من الجزائر العاصمة إلى قرية << آفلو >> من عمالة وهران , وهذا هو الحكم الذي حُكم به على الأستاذ العمودي بعدما قاضته السّلطة لدى مجلس التّأديب بتُهمة أنّه تغيّب عن مقرّ وظيفته من غير أن يستأذن رئيسه كمُوظّف ( والوكلاء الشّرعيون في الجزائر يُعتبرون من الموظّفين من حيث الواجبات والتّكاليف لا من حيث المنح والحقوق ) .

        والأستاذ العمودي إنّما كان سافر إلى تونس , لأنّه كان << مطلوبا >> لوكيل النّيابة بها لكي يُؤدّي لديه شهادته في إحدى القضايا , وكان مُضطرا إلى السّفر مُرغما عليه , وكان الوقت ضيّقا لا يكفيه لانتظار الإذن من الرّئيس وكانت القضيّة كلّها << عملا باليد >> قد حيكت فيها الدّسائس من كلّ جانب لإيقاع العمودي في هذا المحظور من السّفر بال استئذان ,ليكون للسّلطة عليه سبيل إلى مُقاضاته أمام مجلس التّأديب , وليُحكم عليه بأن ينتقل إلى << آفلو >> كارها غير طائع ولا مختار , وهذا << النّقل >> هو في حقيقته بمثابة النّفي الإداري أو بمثابة الحُكم بالحبس , وأقلّ ما فيه أنّه << وُضع تحت المُراقبة الإداريّة >> . والسّبب الحقيقي لهذه المسألة كلّها هو سفر العمودي إلى تونس من غير استئذان , فكم وُكلاء شرعيين غيره رأيناهم ورآهم النّاس قد ( تغيّبوا ) أو سافروا سفرات بعيدة دون أن يستأذنوا , ومنهم من سافر إلى باريس , وساح في فرنسا وما حواليها من البلاد الأجنبيّة ولم يكن قد استأذن رئيسه , والوُكلاء الشّرعيون الذين كانوا جاءوا الجزائر من أطراف القطر لتشييع سُموّ الوالي العام حينما سافر إلى فرنسا في المرّة الأخيرة , ثمّ جاءوها مرّة ثانيّة يستقبلون سُموّه عندما عاد من السّفر , ثمّ جاءوها للمرّة الثالثة فحضروا حفلة التّكريم التي أقيمت فيها أخيرا للسّيد مدير الأمور الأهليّة بمُناسبة ترسيمه بوسام الكوماندور , وجاءوا قبل ذلك وبعده عدّة مرّات لم يستأذنوا رُؤساءهم في هذه السّفرات , فهل ساقت السّلطة ولو واحدا من هؤلاء إلى محكمة التّأديب بتُهمة أنّه << تغيّب >> عن مقرّ وظيفته بلا استئذان ؟ ونحن لم نسمع منذ أنشأت << الوكالة الشّرعيّة >> في هذه البلاد أنّ وكيلا شرعيا ( تغيّب ) عن مقرّه فحوكم من أجل ذلك أمام محكمة التّأديب وغاية ما كان أنّ الوكيل إذا ارتكب هذه المخالفة فإنّه قد يتبلغ من رئيسه ( ملامة ) على ذلك .

        إنّ السّبب الحقيقي لمُقاضاة الأستاذ العمودي إنّما هو انتسابه لجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين ولأنّه كاتبها العام وعضدها المتين , ولأنّه قد أبلى في سبيل الله دون هذه الجمعيّة بلاءا حسنا ودافع بقلمه أشرف دفاع دون هذه الأمّة , ودون دينها القيّم الحنيف , فهو اليوم يذوق من الاضطهاد والأذى مثل ما قدّم لهذه الأمّة ولهذا الدّين الحنيف من خدمات جلّى , وأعمال صالحات .

        كانت مؤامرة محبوكة وأمر دُبّر بليل تلك الحملة الآثمة التي شنّوها على العروبة والإسلام وعلى جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين باعتبارها هيئة مُنظّمة تمثل العروبة والإسلام في هذه البلاد ولكنّ الكاتب العام لجمعيّة العلماء الأستاذ العمودي قد استطاع أن يرُدّ هذه الهجمات كلّها , فقد تصدّى للأحمق الذي شتم الإسلام ودعا إلى اعتناق النّصرانيّة , وتصدّى للشّعوبي ميلاج الذي طعن على أئمّة الإسلام ووصفهم بالتأخر والجماد , وتصدّى بعد ذلك لتزييف ما نُشر بإمضاء ( بحر الغزال ) طعنا على سائر طبقات المُسلمين , فكان في ذلك كلّه مثالا نادرا للغيرة الإسلاميّة والشّهامة العربيّة ومثالا نادرا للحجّة والمنطق وللفصاحة وحُسن البيان .

        إنّ هذه المواقف المُشرّفة ــ وأمثالها ــ التي وقفها الأستاذ العمودي دفاعا عن الإسلام , هي التي أحفظت عليه بعض ( المقامات ) وأوغرت عليه بعض الصّدور , وهي التي جلبت إليه هذا النّقل الذي سوف يُضطرّ معه إلى الاستعفاء دون أن يرضاه .

        إنّك أيّها الأخ الكريم باحتمالك لهذا الاضطهاد ولهذا الأذى في سبيل الله قد كتبت اسمك بحروف ذهبيّة في الأسماء الخالدة من قائمة المُجاهدين الصّادقين , وأنتِ أيّتها السّلطة القائمة , لك أن تفعلي بنا ما تشائين من ( نقل ) ونفي وتعذيب , وفي قبضتك أن تنتزعي أرواحنا من أجسامنا , ولكن لا تطمعي في انتزاع إيماننا من صدورنا فهذا أمر ما لك إليه من سبيل .               محمّد السّعيد الزّاهري  ( الصّراط السّوي العدد الرّابع عشر )