مضى اليوم على حادث الاعتداء عليّ خمسة عشر يوما ولا يزال الحادث كما هو جديدا في أذهان النّاس هنا في وهران يستنكرونه ويستفظعونه ويلعنون المعتدين الآثمين لعنا كثيرا.
لقد كان الجاني الحقيقي الذي أغرى على هذه الجناية بعض أتباعه الأخلاف شيخا من أشياخ السوء في وهران وكان كثير العيال لا يكاد يحصى عدّتهم إلا بعداد ( ! ) وكان هو وعياله جميعا يعيشون عالة على المسلمين ( الغافلين ) . يتظاهر بالولاية والصلاح ليحتال بذلك على ما في أيدي النّاس , ولا نصيب له من الولاية والصلاح إلا سبّ العلماء والوقوع في أعراضهم والافتراء عليهم وأكل لحوم النّاس , وكان في رغد من العيش بما كان يتناول من صدقات الناس . وكان الناس يحسنون إليه , ولكنه اليوم أصبح يعاني العسر والضيق , وانفضّ عنه أكثر من كان حوله من المتصدقين , ورأى أنّ الناس أصبحوا يلهجون بذكر جمعية العلماء المسلمين ويتعلقون بها , ويذكرون رئيسها الأستاذ ابن باديس كما يذكرون أكبر إمام من أئمة هذا الدين , فوقع في نفسه أنّه من هنا جاءه البلاء ( ! ) وأنّه من هنا انقطعت عنه الصدقات والنذور التي كانت تجبى إليه . فجعل دأبه أن يسب جمعية العلماء وأن يختص بالسب والقذف رئيسها الأستاذ عبد الحميد بن باديس وهذا الضعيف العاجز ( الزاهري ) الذي يمثل الجمعية في وهران وكان سبق لهذا التيس أن أغرى جروا له ( ابنه ) فشتمني في الطريق العام لولا أن الشاب المفضال المهذب السيد بلقاسم بن الشراب عطف عليه ــ وكان من رفقائي ــ فأدّبه وجازاه بما يستحق . وثار الرأي العام الإسلامي في وهران يومئذ على هذا الجرو وعلى والده الذي أغراه .
كانت قبضة الشرطة السرية على شخص من أتباع شيخ السوء هذا ومن مريديه بتهمة أنه هو الجاني , ولكن بعدما حققوا معه لم يجدوا بينة على إدانته ولكنه لا يزال مسجونا بتهمة أنه هرب من منفاه قبل أن يستكمل المدة المحكوم عليه بها , ولما ترك سبيله من تهمة الاعتداء فإن الأعوان لم يقبضوا على شخص آخر بدعوى أنهم لا يجدون بينة على أحد تخوّل لهم أن يقبضوا عليه , ويظهر أن التحقيق في هذا الاعتداء بينما كان جاريا بغاية الجد والاجتهاد وقف فجأة ولم يتقدم قيد شعرة , وهنا سر يجب أن يفهمه القارئ وحده ( ! ! ) أما الرأي العام فلا يزال هائجا منفعلا ضد المعتدي الأثيم , والناس يعلمون كل شيء عن هذا الحادث ويعلمون أن أصل الجناية إنما هو شيخ السوء ويعلمون أن هذه الجناية قد دبرت في مسجد بناه لله أحد المحسنين .
لقد كانت الجناية يوم الاثنين 1 ربيع الثاني 1352وظللت متأثرا بالضربة وأجد ألمها عشرة أيام كاملة , أمّا اليوم فأنا على ما يمكن أن أكون صحة وعافية .
وهران محمد السعيد الزاهري (الشريعة العدد السّادس)
يوم 15 ربيع الثاني 1352
< السابق | التالي > |
---|