أيتها الأمة ...
إن التفرق شر كله ، و شر أنواع التفرق ما كان في الدين ، و أشنع أنواع التفرق في الدين ما كان منشؤه الهوى و الغرض ، ونتيجته التعادي و التباغض ، و أثره في نفوس الأجانب السخرية من الدين و التنقيص له ، واتخاذ أعمال أهله حجة عليه ، و ما أعظم جناية المسلم الذي يقيم من أعماله الفاسدة حجة على دينه الصحيح ، و ما أشنع جريمة المسلم الذي يعرض بسوء عمله دينه الطاهر النقي للزراية و الاحتقار .
أيها المسلمون الجزائريون ...
في كل عام تفتنون في دينكم مرتين ، فتختلفون في الصوم اختلافا شنيعا ، و تتفرقون في الإفطار تفرقا أشنع ، و كلما جاء شهر رمضان الذي تصفد فيه الشياطين ، انطلقت من بينكم شياطين تدعوكم إلى التفرق في شعيرة لم تشرع إلا للجمع ، و تزين لكم الاختلاف في الدين باسم الفقه في الدين .
ولو كان تفرقكم في الصوم و الإفطار مبنيا على اعتبار صحيح ، وعلى أسباب ضرورية كعدم العلم بالرؤية مثلا ، لهان الأمر ، وكان لكم بعض العذر ، ولكنه في الأغلب مبني على جمود وعناد مقصود و تمحلات فقهية لا ترجع إلى مستند صحيح من نص ، ولا إلى برهان صريح من علم ، ثم انتهى بكم العناد و اللجاج إلى شر ما تقع عليه العين من تفرق و اختلاف ، وهو أن البيت الواحد يضم صائمين و مفطرين ، فضلا عن القرية الواحدة ، و الصائم يرمي المفطر بالموبقات ، و المفطر يرمي الصائم بالشناعات ، و بين هذين ضاعت الحرمة الحقيقية و الحكمة الحقيقية ، وبين البطون الخماص و البطان تتلاشى المعاني العالية التي طواها الإسلام فيما شرع من صوم وشرع من إفطار ، و يضعف إحساس الرحمة و الإحسان ، وتنطفئ بشاشة العيد و بهجته ، وإشراقه ، و يجف ما يفيض به على المسلمين من خير و انس و تسامح و حب ، فانظروا – رحمكم الله – إلى ما يبقي ذلك الخلاف في نفوسكم من حزازات و عداوات و تقطيع لمل أمر الله ب هان يوصل من أخوة الإسلام .
إن التفرق في الصوم يذهب بجلال الصوم حكمته .
و إن التفرق في العيد يذهب بجمال العيد وبهجته .
و إن الله تعالى ما شرع هذه الشعائر عبثا ، وإنما شرعها لحكم جليلة ، أعلاها جمع الأمة على الدين لتجتمع في شؤونها الدنيوية و توحيدها في عبادة الله ، لتتربى على الاتحاد في مصالحها العامة المشتركة .
يا للعجب أيكون الشهر الذي جعله الله مقويا للرادات ، و مشددا للعزائم ، و مطهرا للأرواح، ومهبا لنفحات الخير و الرحمة ، سببا للفتور و الضعف و مدبا للبغضاء و العداوة ؟ أتجعلون من هذا الشهر الذي جعله الله جامعا للقلوب على الأخوة ، وللأرواح على الطهر و للمشاعر على الإحسان وسيلة إلى التفرق و التشتيت ؟
أيها المسلمون ...
هذا شهر رمضان على الأبواب ، فاحيوا في نفوسكم جميع معانيه الدينية و الاجتماعية ، و ابدؤوا لتحقيق ذلك بالاتحاد في صومه ، و الاتحاد في الخروج منه ، و اظهروا في هذين اليومين بالمظهر المشرف لدينكم و لجماعتكم ، واجتمعوا على السرور بمقدمه ، وعلى الابتهاج بوداعه ، و اعلموا أن للاتحاد هيبة ، وان في الاجتماع قوة و سطوة ، فاستجلوا هذه المعاني في مظاهر دينكم ، و استغلوا ثمراتها في ظواهر دنياكم .
لا عذر لكم في الاختلاف في هذا الزمن الذي قارب بين أجزاء الأرض و قرب بين أجزاء البشر ، و سهل نقل الأخبار ، وصحح مقاييس العلم ، وضبط موازين الأشياء ، و احكم الاتصال بين الناس ، وأعان على فهم حقائق الدين .
لاتجعلوا الحدود الإقليمية التي وضعها المخلوق حدودا فارقة في الشعائر التي وضعها الخالق، ولاترتابوا في أخبار التليفون إذا عرف الصوت و تعدد الناقل ، و لا ترتابوا في أخبار الإذاعة ، فإنها امنع من أن يتطرق إليها الخلل في هذا الباب ، و أنها لا تذيع إلا ما تقدمه لها الهيئات الشرعية .
لا تلتفتوا إلى شبهة تباعد الأقطار ، فكثيرا ما يكون يوم عيد الأضحى بمنى هو يوم عيد الأضحى عندنا بشهادة الحجاج منكم ، وبينكم آلاف الأميال ، صوموا و افطروا على الأخبار التليفونية من الثقات المعروفين إلى الثقات المعروفين من أجزاء الشمال الإفريقي .
صوموا و افطروا على أخبار إذاعة تونس ، فما تونس إلا جارة قسنطينة ، وعلى إذاعة الرباط ، فما الرباط الاجار وهران ، وعلى أخبار إذاعة الجزائر ، فما الجزائر إلا قلب هذا الشمال الإسلامي العربي .
لا تتراخوا في أداء الشهادة برؤية الهلال و تعميمها بجميع الوسائل ، وأقواها و أسرعها التليفون .
لا تسمعوا كلام الجاهلين الذين يسولون لكم الخلاف في الدين باسم الدين ، ويطعنون في رؤية تونس أو فا ساو قسنطينة ، ويضيقون عليكم ما وسع الله ، لا تقلدوا بعض الفقهاء الجامدين الذين يريدون أن يحتكروا التصرف يف الصوم و الإفطار ، ويفرقوا كلمة الأمة بجمودهم و جهلهم ، و اعلموا ان الله تعالى لم يكل هذا الأمر إليهم في كتاب ولا سنة ، ولا ورثوه عن السلف ، و إنما الشأن كله لجماعة المسلمين ، و لكن جماعة المسلمين أضاعوا هذا الحق من أيديهم ، فتسلط عليه قوم لم يجعل الله لهو الحكم فيه ، فجعلوا لأنفسهم التحكم عليه .
إن جمعية العلماء ستقوم بواجبها كالعادة ، فتتلقى الأخبار و تعممها بما تملك من وسائل التعميم ن وتتعاون مع الهيئات في القيام بهذا الواجب .
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
محمد البشير الإبراهيمي
- رحمه الله -
التالي > |
---|