ردّ جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين2

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

على ابن غراب

        ثمّ يرمي الجمعيّة بدسّ الدّسائس وقد علم النّاس صراحة الجمعيّة في جميع مواقفها والجمعيّة التي يلقي رئيسها باسمها تلك الخطبة المشهورة في حفلة النّادي بالجمعيّة في جمع حاشد من جميع الطّبقات لا يتصوّر عاقل أن يكون الدّس من خُلقها .

        ثمّ يرميها بنصب الحيل لجلب الأموال وقد علم النّاس ضبط حساب الجمعيّة الدّقيق بما يتلوه في اجتماعاتها العموميّة أمين ماليتها وينشره على النّاس .

        ثمّ يرميها بنشر الشّحناء وكيف هذا وكلمات الجمعيّة التّي كانت وفودها تلقيها على النّاس وتلقّنهم إيّاها هي : تعلّموا , تحابّوا , تسامحوا , وإذا كانت هذه الكلمات تثير الشّحناء والعداوة في القلوب المريضة التي لم تألف سماع هذه الكلمات ولم تُخلق للاتّصاف بها فما ذا تملك الجمعيّة لها .

        ثمّ يقول عن الجمعيّة  : << خالطت الطّوائف الانتخابيّة >> وما ذا يعني هذا الجاهل بالطّوائف الانتخابيّة ؟ ولو كانت في الأمّة طوائف انتخابيّة تسير على برامج منظّمة لما كان مثله نائبا يهذي هذا الهذيان , لكن لعلّه يعني شخصا أو شخصين من النّواب العمّاليين الذين أنطقهم شرفهم وغيرتهم بما يعلمونه عن الجمعيّة من خدمة الحق والخير , وهؤلاء لم يكن بينهم وبين بعض رجال الجمعيّة إلاّ معرفة شخصيّة ليست أكثر من المعرفة الشّخصيّة التي بين هذا النّائب الجهول وبين بعض رجال الجمعيّة الذين في قسمه والجمعيّة نفسها لا خُلطة لها لا بهذا ولا بذاك ثمّ كان ماذا لو أنّ الجمعيّة اعتمدت على أهل الصّدق والشّرف والغيرة لتردّ بهم كيد مثلك يا مسكين ؟ فينكر على جمعيّة سلميّة أن تتقوّى بالأحرار الصّادقين والنّواحي القويّة لا تتنزّه عن التّقوّي ــ عند الحاجة بالعبيد الكاذبين ؟ إلاّ أنّ الجمعيّة جمعيّة علم وتهذيب فهي تتأيّد بأهل العلم والتّهذيب جزائريين وفرنسيين مسلمين وغير مسلمين وتمقت وتتبرّأ من الجهل والوحشيّة من أيّ ملّة وجنس .

        ثمّ يرمي الجمعيّة بأنّها تنشر المذهب الوهّابي , أفتعُد الدّعوة إلى الكتاب والسّنّة وما كان عليه سلف الأمّة وطرح البدع والضّلالات واجتناب المرديات والمهلكات نشرا للوهّابيّة أم نشر العلم والتّهذيب وحرّية الضّمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ــ نشر للوهّابيّة ؟ إذًا فالعالَم المتمدّن كلّه وهّابي ! قائمة الإسلام كلّهم وهّابيّون ؟ ما ضرّنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمّة الإسلام وقام عليه نظام التّمدّن في الأمم , إن سمّانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون فنحن ــ إن شاء الله ــ فوق ما يظنّون , والله وراء ما يكيد الظّالمون .

        ثمّ يقول << إنّنا مالكيّون >> , ومن ينازع في هذا وما يُقرئ علماء الجمعيّة إلاّ فقه مالك , ويا ليت النّاس كانوا مالكيّة حقيقة إذًا لطرحوا كلّ بدعة وضلالة فقد كان مالك رحمه الله كثيرا ما يُنشد :

وخير أمور الدّين ما كان سنّة   ***   وشرّ الأمور المحدثات البدائع

        ثمّ يقول : << إنّ الأمّة الإسلاميّة منذ قرن وهي متمتّعة بحرّيتها ودينها وعاكفة على دروس علمائها >> ونحن نريد في هذا القرن الثاني أن تزداد تمتّعا بحرّيتها وانتفاعا بفقه دينها واتّساعا في دائرة علمها على سنّة التّطوّر والرّقي والتّدريج , فثارت ثائرة هذا الجاهل ومن وراءه ومن كان في الجهل والشّر مثله يحاولون إثارة الفتنة والله يطفئها ويكيدون للجمعيّة والله يحفظها ويكذبون على الجمعيّة والله يُظهر نزاهتها حتّى فضح الله أمرهم وعرفت الأمّة دخيلتهم وأصبحوا كلّهم في غضبٍ من الله وسخط من النّاس والله لا يهدي كيد الخائنين ولا عدوان إلاّ على الظّالمين والعاقبة للمتّقين والحمد لله ربّ العالمين .                                                  عن الجمعيّة الرّئيس : عبد الحميد بن باديس (الصّراط السّوي العدد الثالث) 

زيادة بيان وتحقيق :

        قد رُميَ الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب بما رُمي به في حياته ــ بأنّه يُكفّر من يتوسّل لله وقد نفى هو عن نفسه ذلك ونفاه الكاتبون عنه من بعده , ونحن كنّا قرّرنا منذ سنوات عديدة في دُروسنا لتلامذتنا وفي غير دروسنا أنّ صور هذه المسألة ثلاث : الأولى أن يقول الدّاعي يا سيّدي فُلان , الثّانيّة أن يقول يا ربّ ويا سيّدي فُلان , وهاتان مُحرّمتان ليستا من الإسلام في شيء , الثّالثة : أن يقول يا ربّ أتوسّل إليك بسيّدي فُلان , وهذه مسألة علميّة وهي محلّ الخلاف . وقد رُميَ الشّيخ ابن عبد الوهّاب ممّا رُمي به في حياته ــ بأنّه يُكفّر من يتوسّل لله بالصّالحين من عباده , وقد نفى هو هذا عن نفسه , ونفاه الكاتبون عنه من بعده .وها نحن ننقل للقرّاء من كتاب << صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان >> للعلاّمة الشّيخ محمّد بشير السّهسواني الهندي ــ ما يبيّن لهم ذلك ويُحقّقه , قال في ص 183 :

        << وقال الشّيخ حسين بن غنام الأحسائي في ( روضة الأفكار والأفهام لِمُرتاد حال الإمام ) العاشرة قولهم في الاستقصاء لا بأس بالتّوسّل بالصّالحين , وقول أحمد يُتوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاصّة مع قولهم أنّه لا يُستغاث بمخلوق ــ فالفرق ظاهر حدا وليس الكلام ممّا نحن فيه , فكون بعض يُرخّص بالتّوسّل بالصّالحين وبعضهم يخصّه بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه هذه المسألة من مسائل الفقه , ولم كان الصّواب عندنا قول الجمهور أنّه مكروه فلا نُنكر على من فعله , ولا إنكار في مسائل الاجتهاد لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم ممّن يدعوا الله تعالى ويقصد القبر يتضرّع عند الشّيخ عبد القادر أو غيره يطلب منه تفريج الكُرُبات وإغاثة اللّهفات. وإعطاء الرّغبات , فأين هذا ممّن يدعوا الله مُخلصا له الدّين , لا يدعو مع الله أحدا , ولكن يقول في دُعائه أسألك بنبيّك أو بالمُرسلين أو بعبادك الصّالحين , أو يقصد قبر معروف أو غيره يدعو عنده , لكن لا يدعو إلاّ الله يُخلص له الدّين فأين هذا ممّا نحن فيه ا ه .

        قال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب في الرّسالة التي كتبها لأهل مكّة بعد مُناظرتهم : إذا عُرف هذا فالذي نعتقده وندين الله به أنّ من دعا نبيّا أو وليّا أو غيرهما , وسأل منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات , أنّ هذا من أعظم الشّرك الذي كفّر الله به المُشركين حيث اتّخذوا أولياء وشُفعاء يستجلبون بهم المنافع ويستدفعون بهم المضار بزعمهم , قال الله تعالى : (<< ويعبُدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شُفعاؤنا عند الله >>) فمن جعل الأنبياء أو غيرهم كابن عبّاس أو المحجوب أو أبي طالب وَسائط يدعوهم ويتوكّل عليهم ويسألهم جلب المنافع , بمعنى أنّ الخلق يسألونهم وهم يسألون الله , كما أنّ الوسائط عند المُلوك يسألون المُلوك حوائج النّاس لِقُربهم منهم والنّاس يسألونهم أدبا منهم أن يُباشروا سُؤال المَلِك , أو لكونهم أقرب إلى المَلِك , فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مُشرك حلال الدّم والمال ا ه .

        وقال الشّيخ في الرّسالة التي كتبها إلى عبد الله بن سحيم : إذا تبيّن هذا فالمسائل التي شنّع بها منها ما هو البُهتان الظّاهر وهي قوله أنّي مُبطل كُتُب المذاهب وقوله أنّي أقول أنّ النّاس من ستّمائة ليسوا على شيء , وقوله أنّي أدّعي الاجتهاد وقوله أنّي خارج عن التّقليد وقوله أنّي أقول أنّ اختلاف العلماء نقمة , وقوله أنّي أكفّر من يتوسّل بالصّالحين ــ إلى أن قال فهذه اثنا عشر مسألة , جوابي فيها أن أقول (<< سبحانك هذا بُهتان عظيم >>) ولكن قبله من بَهَتَ محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنّه يسبّ عيسى ابن مريم ويسبّ الصّالحين (<< تشابهت قلوبهم >>) وبهتوه بأنّه يزعم أنّ الملائكة وعيسى وعُزيرا في النّار فأنزل الله في ذلك (<< إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مُبعدون >>) الآية اه >>. ع .


 الصّراط السّوي العدد الخامس