نقلا عن مجلّة الشّهاب في جُزئها الثاني من المجلّد الخامس عشر , الصّادر في غُرّة صفر 1358 هجريّة الموافق ل 23 مارس 1939 للميلاد :
كان ممّن قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من بني حنيفة سنة الوُفود الرّجّال بن عُنفوَة فأسلم وقرأ وفقه في الدّين , وكان يُرى عليه من الخشوع والخير ومُلازمة قراءة القرآن شيء عجيب , حتّى بعثه مُعلّما لأهل اليمامة , وبينما هو جالس يوما من الأيّام في رهط من الصّحابة منهم أبو هُريرة خرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : ( لضرس أحدكم ــ أيّها المجلس ــ في النّار يوم القيامة أعظم من أحد ) .
فلمّا ارتدّت بنو حنيفة باليمامة وتبعت مُسيلمة الكذاب أرسل أبو بكر إلى الرّجّال فأوصاه بوصيّته وبعثه يشغب على مُسيلمة وهو يظنّ منه الصّدق فلمّا لحق باليمامة لحق بمسيلمة وشهد له أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أشركه في الأمر وأنّ هذا نبيّ وهذا نبيّ فاستجاب له من كان أسلم من بني حنيفة وصدّقوه وكان أشدّ وأعظم فتنة عليهم من مسيلمة نفسه , بما كانوا يعلمون من حاله وثبت على ردّته حتّى قُتل , قتله زيد ابن الخطّاب .
قال أبو هُريرة : ( مضى أولئك لسبيلهم وبقيت أنا والرّجّال فما زلت لها مُتخوّفا حتّى سمعت بمخرج الرّجّال فأمنت وعرفت أنّ ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حق ) .
هذا سلف النّاكصين ــ وبئس السّلف لبئس الخلف ــ وهذه عاقبتهم بحكمة الله وعدله فيهم : يسلبهم ما أعطاهم وهو أعلم بهم , ويجعلهم فتنة لمن عداهم ليميز الله الخبيث من الطّيّب , ويعلم الصّادقين ويعلم الكاذبين ثمّ تكون العاقبة للمُتّقين .
< السابق | التالي > |
---|