مجلة الشهاب
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات , نحمده سُبحانه حمدا كثيرا طيبا , ونُثني عليه الخير كلّه , ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , ونشهد أنّ محمّدا عبد الله ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما مزيدا , أمّا بعد :
قد بلغ الغرب الأوسط لديار الإسلام بعد قرابة قرن من الاستعمار إلى وضع جدّ مُتدنّي في جميع نواحي الحياة , خاصّة ما تعلّق بالجانب الدّيني منها , بغشيان عامّة الشّعب جهلا مُطبقا , وسيطرة البدع والخُرافات على من ادّعوا لأنفسهم في دين الله تعالى تفقهًا , واشتراك هؤلاء وهؤلاء في استعجام لسانهم نُطقا , حتّى أصبحوا بهذا عُرضة لسُخرية غيرهم , من ذلك ما أخبر به علاّمة المغرب الأقصى محمّد تقيّ الدّين الهلالي حيث يقول : ( ولأنّ النّاس لم يكونوا يأملون من أهل الجزائر , الذين يظنّون أنّهم نسوا العربيّة والإسلام من زمان , حتّى إنّ المسبوق منهم إذا دخل المسجد ليُصلّي ورأى الإمام راكعا قال له << أتاندي مسيو >> بدلا من قول المسبوق في مِصر للإمام إنّ الله مع الصّابرين , يريد منه بذلك انتظاره ليُدرك الرّكعة ) . وهي كذلك إذ قيّض الله تعالى لها طائفة من أبنائها عملت حقّ عمل بقول الله تعالى : (<< فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون >>) فكان من هذا أن نفرت هذه الطّائفة في طلب العلم وبعد رجوعها إلى قومها لإنذارهم كان لزاما عليها انتهاج عدّة أساليب لتقوم بهذا المقصد السّامي والمغزى العظيم , فأنشأ أحد رجالات هذه الأمّة جريدة أسبوعيّة ـ( أصبحت فيما بعدُ مجلّة )ـ تكون منبر إصلاح له ولإخوانه العلماء , كي لا تنحصر دعوتهم في المناطق التّي يتواجدون بها , بل تعمّ كلّ منطقة تصل إليها هذه المجلّة , وقد حدث هذا بأن وصل صوت الإصلاح بهذه المجلّة إلى كلّ فجّ عميق من هذه الدّيار حتّى أعماق الصّحراء وقنن الجبال من حدود تُونس إلى حدود المغرب الأقصى , بل تعدّى صوتها إلى أن ملأ غالب أرجاء المغرب الإسلامي , ولا تعجب إن قُلت لك أنّ صوتها بالإصلاح وصل ديار المشرق وتعدّاها إلى الهند .
إذا تقرّر هذا لديك وأخذت مأخذ الجدّ وتأمّلت بحق قولنا صدر المقال : << غشيان عامّة الشّعب جهلا مُطبقا , وسيطرة البدع والخُرافات على من ادّعوا لأنفسهم في دين الله تعالى تفقهًا , واشتراك هؤلاء وهؤلاء في استعجام لسانهم نُطقا >> ونظرت حال هذه الأمّة بعد سنين قلائل تبيّن لك مقدار ما سرى من إصلاح في عروق هذه الأمّة الذي لو لم يكن منه إلاّ اتّحاد هؤلاء الأعلام وتأليفهم لجمعيّة العلماء لكفى بها ثمرة إصلاح , وإنّ أثر الإصلاح بهذه المجلّة تعدّى حُدود هذه الدّيار كما تعدّتها هي أيضا على ما مرّ بك , ولو لم يكُن منه إلاّ تغيير وجهة نظر من وصلتهم نحو هذه الدّيار لكفى به أثر إصلاح , وإنّنا نكتفي في هذا بشهادة علاّمة المغرب إذ يقول : ( ولكن بعض النّاس لم يشأ أن يرجع عن اتّهام الجزائريين بالجهل والاستعجام وأصرّ على ذلك إلى الآن هذا هو اعتقاد عامّة أهل المشرق وجلّ خاصّتهم أو كلّهم حتّى ظهرت مجلّة الشّهاب الغرّاء طافِحة بالمقالات المُتنوّعة مكسُوّة حُلّة جميلة من البلاغة العدنانيّة الخالصة فلم ينقض عجب النّاس من هذه المفاجأة إذ لم يكن يخطر ببال أنّ أحدا من أهل الجزائر يعرف العربيّة العامية لأنّ السّائحين من أهل المشرق أطبقوا على أنّهم لقوا في فيشي وغيرها أهل الجزائر فما أمكنهم التّفاهم معهم إلاّ باللّغة ( الفرنسيّة ) فضلا عن أن يكون فيهم أدباء فُرسان في ميادين الفصاحة وعُلماء فطاحل مُتبحّرين في ميراث محمّد صلّى الله عليه وسلّم , ومن ذلك العهد أخذ رأي النّاس يتغيّر في أهل الجزائر واستبشروا وذهب عنهم اليأس ) .
أخي الزّائر ما ذُكِر لك كان عن مُحيط مجلّة الشّهاب أمّا عنها هي , فهي جريدة أسبوعيّة أنشأها العلاّمة عبد الحميد بنُ باديس سنة 1343هـ ــ 1925م مبدأها الإصلاح الدّيني والدّنيوي وتبحث في كلّ ما يُرقي المسلم الجزائري , وبعد أن بلغت من الأعداد 178 في أربع سنوات أي حتّى عام 1347هـ ــ 1928م حُوّلت إلى مجلّة شهريّة , واستمرّت كذلك إلى غاية عام 1358 ــ 1939 فقد تقرّر توقيفها لأجل الحرب العالميّة الثانيّة وبعدها بقُرابة السّنة أوقّفت نهائيّا لأجل وفاة منشئها العلاّمة ابن باديس رحمه الله تعالى .
الموقع والشّهاب : استنادا إلى ما قال الشّاعر :
يُودّع بعضنا بعضا ويمشي *** أواخرُنا على هام الأوّلي
فإنّ موقع ـ( نور الهدى بوّابة )ـ يُقدّم لك أعدادا من هذه المجلّة تأتيك تتابُعًا كتتابع الغيث , رجاءً من الله تعالى أن ينفع بها كما نفع بأصلها , وشُكرا منك لنا على ما انتفعت به منها , ومغفرة لنا وعُذرا عنّا لما وجدتّه من خطأ لنا فيها , وبين الأوّل والثاني كمالُ الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات .