نقلا عن مقال ـ( آثار وأخبار )ـ , والذي نشرته جريدة الصّراط السّويّ في عددها السّادس عشر , الصّادر يوم الاثنين 15 رمضان 1352 هجريّة المُوافق لـ 1 جانفي 1934 للميلاد :
<< عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجّة طعمها طيّب وريحُها طيّب , والمُؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيّب ولا ريح لها , ومثل المُنافق الذي يقرأ القرآن كالرّيحانة ريحُها طيّب وطعمها مُرّ , ومثل المُنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمُها مُرّ وريحُها مُرّ ) , رواه البُخاري ومُسلم وغيرُهما .
( تعليق ) : جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيب الطّعم دائرا مع العمل , وجعل طيب الرّائحة صفة التّلاوة , والمُجدي على المرء هو عمله , أمّا التّلاوة وحدها فإنّها لا تُجدي فالمُنافق يتلو القرآن ولكنّه في الدّرك الأسفل من النّار . وقد دلّ الحديث على أنّ العمل بالقرآن درجتين أعلاهما الجمع بين التّلاوة والعمل , ودلّ على أنّ لمُخالفة أوامره ونواهيه دركتين أدناهما الجمع بين الإعراض عن حفظه والإضراب عمّا دعا إليه .
والعمل بالقرآن يقتضي فهم معانيه وكذلك كان المُخاطبون بهذا الحديث فإنّ القرآن بلُغتهم نزل , ولهذا لم يقل في الحديث : << المُؤمن الذي يقرأ القرآن ويفهمه ويعمل به >> لأنّ ذكر الفهم لأولئك المُخاطبين حشو , تتحاشى عنه البلاغة النّبويّة , فيا أيّها القرّاء المُؤمنون تطلّبوا معاني ما تقرءون واعملوا بما تفهمون كي تكونوا أترُجّة , ويا أيّها المُؤمنون الأمّيّون اسألوا أهل الذكر والعلم بكتاب ربّكم وتحرّوا العمل بما دعاكم إليه كي تكونوا ثمرة . وقد دلّت مُقابلة القارئ العامل بالقارئ المُنافق على تسميّة من يُخالف ما يقرأ مُنافقا والمُنافقون في الدّرك الأسفل من النّار وهم أخسّ صُنُوف الكفار , ولكنّنا نجد من النّاس من لا يختلف في إيمانه ثمّ هو يُخالف ما يقرأه , وقد قال العُلماء أنّ هذا النّوع من المُؤمنين يُسمّى نفاقهم نفاق عمل لا نفاق كفر , ويُسمّون مُنافقين مجازا لنّ فيهم خصلة من خصالهم وهي المُخالفة للأوامر , فالقارئ إن لم يعمل بما يقرأ فهو مُنافق حقيقة أو مجازا , أعاذنا الله وإيّاكم من النّفاق حقيقته ومجازه وجعلنا ممّن يتلو كتابه عالما بمعانيه عاملا بما يفهمه منه >> .
< السابق | التالي > |
---|