نقلا عن مقال ــ( بعنوان : آثار وأخبار )ــ لمُحرّري جريدة الصّراط السّوي ــ( رحمهم الله )ــ , والذي نشرته الجريدة في عددها الرّابع عشر الصّادر يوم الاثنين 1 رمضان 1352 هجريّة المُوافق ل 18 ديسمبر 1933 للميلاد :
<< عن خالد بن أبي عمران قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ) أخرجه سعيد بن منصور وابن المُنذر والبيهقي في شعب الإيمان , نقل ذلك السّيوطي في الدّر المنثور (1 : 149) . وعن سعيد بن جُبير أنّه قال في جواب مسائل سأله عنها عبد الملك بن مروان : << وتسأل عن الذكر , فالذكر طاعة الله , فمن أطاع الله فقد ذكر الله ومن لم يُطعه فليس بذاكر وإن أكثر التّسبيح وتلاوة القرآن >> نقله ابن علاّن في شرحه على حلية الأبرار للنّووي ( 1 : 15 ) .
( تعليق ) قد جمعنا بين الحديث المرفوع والأثر الموقوف على سعيد بن جُبير , من كبار علماء التّابعين لاتّحادهما في المعنى ووُرودهما على غرض واحد وقدّمنا الحديث لأنّه الأصل وأخّرنا الأثر لأنّه الفرع الشّاهد المُقوّي لسند ذلك الحديث , وقوله في الحديث وإن قلّت صلاته الخ يُريد صلاة التّطوّع وصيام التّطوّع أمّا من قلّت صلاته الواجبة أو صيامه الفرض فإنّه عاص لا يُوصف بالطّاعة . وبهذا الحديث وذاك الأثر تعلم المُراد من الآيات الآمرة بالذكر , كقوله تعالى : (<< فاذكروني أذكركم >>) وقوله : (<< اذكروا الله ذكرا كثيرا >>) فليس المُراد من الذكر في أمثال هاتين الآيتين خصوص الذكر اللّساني بل المُراد الطّاعة بجميع أنواعها من صلاة وصيام وصدقة ونصيحة وتلاوة قرآن وتسبيح وتحميد وتهليل وغير ذلك , فإنّ المُطيع إنّما أطاع الله لكونه ذكره بقلبه أو بلسانه .
وغرَضنا من تقديم هذين الحديث والأثر إلى القرّاء أن يعلموا أوّلا أنّ معنى الذكر أوسع ممّا يتخيّلون وأنّ بعض من يعُدّونهم من العبّاد في غير الذاكرين هم في عرف الشّرع من الذاكرين . وأن يعلموا ثانيا أنّ ما عليه كثير من العوام من الاعتماد على السّبح دون الطّاعة هو غرور في غرور وأنّ كثيرا ممّن يُعدّ نفسه ويعدّه النّاس من الذاكرين هو في عُرف الشّرع من الغافلين . فيا أيّها المُسلمون تثبّتوا في الحقائق الشّرعيّة واطلبوا تفسيرها من صاحب الشّريعة أو ممّن قرُب زمنه من زمنه ولا تعتمدوا في فهم حقائق دينكم على عُرفكم وعاداتكم فإنّ الجهل بالسّنّة وخروج أمر العامّة من يد العاملين لهما ممّا ابتليت به الأمّة الإسلاميّة قديما >> .
< السابق | التالي > |
---|