نقلا عن مقال ــ( بعنوان : عناية الحكومة بتأمين راحة الحجاج )ــ لبيان وضعته الحكومة السّعوديّة في شأن الحج , والذي نشرت جُزءا منه جريدة الصّراط السّوي في عددها الثاني عشر الصّادر يوم الاثنين 16 شعبان 1352 هجريّة المُوافق ل 4 ديسمبر 1933 للميلاد :
<< الحج فرض واجب على كلّ مُسلم ومُسلمة وهو خامس أركان الإسلام وأداؤه مُحتّم على كلّ من استطاع إليه سبيلا , ولا يجوز لمسلم ولا مسلمة التّخلّف عن أداء هذا الرّكن العظيم وقد فُرض الحج على المسلمين وأمر الله تعالى به في قوله عزّ وجلّ : (<< ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا >>) وقوله تعالى : (<< وأذّن في النّاس بالحج يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام >>) كما أنّه قد وردت آيات كثيرة وأحاديث صحيحة في فضائل الحج والحث عليه منها قوله صلّى الله عليه وسلّم ( الحج المبرور لا جزاء له إلاّ الجنّة ومن حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه ) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : يقول الله عزّ وجلّ إنّ عبدا صحّحت له جسمه ووسّعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم ) رواه ابن حبّان في صحيحه والبيهقي , قلت فكيف بمن يمضي عمره كلّه وهو قادر غني ولا يحج , وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام ) رواه مُسلم . والآيات والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة لا تُحصى ولو لم يرد في ذلك إلاّ ما تقدّم لكفى .
أمّا فوائده فعظيمة منها :
1 ــ رُؤية إخوانه المسلمين واجتماعه بهم وسروره بلقائهم وحُنوّ بعضهم على بعض والاعتصام بكتاب الله وسُنّة رسوله والاستفادة من هذه العبادات أثناء الحج وترك الاشتغال بأمور الدّنيا بُرهة ليستريح القلب من الهموم والوجود من عناء المعيشة المثقلة بالكوارث فيكون قد ارتاض البَدن وخلا القلب من الوسواس وراقت النّفس فرجعت إلى الهداية وأنابت إلى خالقها مُستكينة لعفوه ورحمته وبذلك تقوى رابطة المسلمين فيعتزّ المسلم بأخيه ويهتمّ بأمره ويكون له عونا في المصائب ومُرشدا عند وقوع النّوائب وناهيك بكيان لا يتصدّع ما دامت الكعبة المُكرّمة هدف كلّ حاج وما دامت جادّة الله الخالصة لوجهه الكريم تقام ببطحاء مكّة وفي كلّ مشعر من المشاعر قصد إصلاح الأخلاق والتقرّب إلى الله تعالى بالتّوحيد والإيمان ومُواساة كلّ مسلم أخاه بما يقدر عليه من علم أو عمل فهذا مُنتهى إفضال الله وإنعامه على المسلمين , لذلك يقول الله تعالى في كتابه العزيز (<< ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير >>)
2 ــ وقوفه في المواقف التي وقف بها الأنبياء والأولياء الصّالحون ولا سيما سيّد ولد آدم نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم والخليل إبراهيم عليه السّلام .
3 ــ استلامه الحجر الأسود الذي هو يمين الله في أرضه وصلاته في مقام إبراهيم .
4ــ أنّ الدّعاء في تلك الأماكن مُستجاب وما من إنسان إلاّ وهو مُحتاج إلى سؤال الله في حاجات كثيرة .
5 ــ تجرّد الإنسان من زينة الدّنيا ومتاعها الفاني ممّا يُساعد النّفس على تجرّدها من كلّ ما سوى الله .
6 ــ أنّ الأحاديث الصّحيحة صرّحت بأنّ الحجّ جهادا لا قتال فيه .
ومنافع الحج كثيرة دُنيويّة وأخرويّة مادّية وأدبيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة وروحيّة وقد بيّنها المُفسّرون وشُرّاح الحديث والمؤلّفون في حكم التشريع ولو لم يكن منها إلاّ ما فرض الله وإقامة ذكره وغفران ذنوبه كما ورد ذلك في الأحاديث الصّحيحة لكفى .
فيا أيّها المسلمون ــ هذه آيات الله وأحاديث رسوله صلّى الله عليه وسلّم تتلى عليكم وقد أوجب الله الحج على كلّ مُستطيع منكم . . . .
ويا أيّها المسلمون ــ لا يصدّنّكم عن سبيل ربّكم ودعوة خليله إبراهيم عليه السّلام قول مُضلّل أفّاك , فإنّ الحج أحد أركان الإسلام وفرضيّته ثابتة بالكتاب والسّنّة والإجماع فلا ينبغي لمُسلم أن يتهاون فيه لشبهة ذوي الأغراض الدّنيئة والمقاصد السّيئة .
ويا من رسخ الإيمان في قلبه رسوخا فطريا خالدا لا يُزعزعه إبطال المُبطلين ولا تبشير المادّيين ولا غطرسة المُلحدين تقرّب إلى ربّك مُلبّيا لدعوته , غير مُبال بوعورة السّفر ومشاق التّقرّب , امتط دواب البرّ ومواخر البحر وتجرّد عن كلّ زخارف الدّنيا وارتد رداء اختاره ربّك لك وائتزر بإزار يُبرهن على امتثالك لأمر ربّك وادخل المسجد الحرام في أمان الله طائفا بالبيت مُسبّحا ومهلّلا ومُكبّرا ساعيا بين الصّفا والمروة ثمّ لتصعد على أحسن بقعة اختارها ربّك لاجتماع النّاس فيها لتُردّد << لبّيك اللهم لبّيك لا شريك لك لبّيك لا شريك لك >> فإذا فعلت ذلك فقد نلت مناك وأدركت مبتغاك واكتسبت سعادة الدّنيا والآخرة .
ويا أيّها المسلم ــ يدعوك ربّك ملك الملوك إلى زيارة بيته فكيف تُعرض وأنت الفقير إليه وهو الغني وأنت لو دعاك ملك مخلوق أو رجوت عند أمير حاجة دُنيويّة لسارعت ولا تعلّلت ! !
ويا أيّها المسلم ــ إلى متى يدعوك مولاك وأنت تُسوّف وفي كلّ عام تعد أن تحج ولا تفي وكم تتعلّل بالأشغال والأعمال والوحدة وعدم المساعد وقد أنعم عليك ربّك بمال وصحّة هل أمنت الحمام ؟ ليت شعري بأيّ عذر تعتذر بين يديه وبأيّ حجّة تحتج بها لديه , فبادر إلى مرضاة ربّك ولا تُسوّف في خير وجب أداؤه عليك يضمحلّ فيه عذرك ولا تقوى عليه حُجّتك والله هو الهادي وهو الموفق >> .
< السابق | التالي > |
---|