نقلا عن مقال ــ( بعنوان : إلى الشّباب )ــ لمُحاضرة قيّمة ألقاها الأستاذ بهجة الأثري , والتي نشرت جُزءا منها جريدة الصّراط السّوي في عددها الثاني عشر الصّادر يوم الاثنين 16 شعبان 1352 هجريّة المُوافق ل 4 ديسمبر 1933 للميلاد :
<< إنّ ما نسمعه من بعض الشّباب الإسلامي الجُغرافي الذي يرى التّحوّل عن الإسلام إلى فكرة أخرى ضرورة لا بدّ منها , يُؤسفني أن أقول ــ ولست متّهمه بغير ما فيه ــ أنّه إمّا مغرض مسوق إلى إعلان هذا الرّأي بدافع غير طبيعي وإمّا جاهل بحقيقة الإسلام , أمران لا ثالث لهما ولكنّي أسرع فأنزّه الذين أعرفهم يحملون هذه النّزعة من الأمر الأوّل , فداؤهم إنّما هو الجهل بحقيقة الإسلام , ومن جهل شيئا عاداهُ ! الجهل جريمة بل كبيرة من الكبائر أفقد الأمم الإسلاميّة مركزها حين سلّطته عليها المُآمرة المزدوجة التي دبّرها المُلوك المُستبدّون ورجال الدّين الرّسميون ليتمتّعوا في غفلة الشّعوب وفُقدان المُحاسب إلى حين , وسيُفسد هذا الجهل علينا أعمالنا أو يعوق نُمُوّها ونشاطها إذ تقوم من الجاهلين معارضات تشغلنا بجدالهم ونزاعهم عن مناهضة العدوّ الأجنبي الرّابض بين أظهرنا , فتقلّ الجنود , وتتوزّع الجهود , وتضعف الأعمال .
لست بالمُفتئت على أكثريّة شباب المسلمين إذ أرميهم بجهل الإسلام , حسبكم أن تلمسوا جهل من شئتم منهم به بسؤال إسلامي تطرحونه عليه , إنّكم ستستمعون ما يُضحك ويُبكي : يُضحك لأنّ الكلام الصّادر عن الجهل مُضحك في نفسه , ويُبكي لأنّ الإنسان يأسى كلّ الأسى أن يخسر الشّباب قوّة عظيمة لو وُجّهت إلى الخير لآتت كلّ خير , ولكن كيد الاستعمار عظيم !
وإنّ الشّباب لمعذورون بعض العذر ــ أيّها السّادة ــ إذا جهلوا الإسلام : الإسلام في ( البيت ) خُرافي تقليدي محض , وقد لا يكون له فيه أثر ! والإسلام في ( المدرسة ) معدوم لا وُجود له , أو في حُكم ذلك القسم الابتدائي , فهو موضوع تميمة عن العين ( عفصة ودهاشة ) أو ( جفلين شر ) كما تقول العامّة , ألا ترون أنّ إهماله وإسقاط قيمته يعدم امتحان الطّلاب به ؟ ! والإسلام في ( المساجد ) حركات ميكانيكيّة تنبعث عن غير شعور في الصّلاة و<< موتوا قبل أن تموتوا >> من على المنابر ومقاصد باردة , وعبارات جوفاء لا مدلول لها من الدّين الحق والعلم الصّحيح , تسمع من كراسي الوعظ تتردّد في كلّ رمضان في كلّ مكان , نُسخة طبق الأصل . . . >> .
< السابق | التالي > |
---|