الإسلام دينُ السّلام

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 1
سيئجيد 

الإسلام دينُ السّلام([1])

        ربّ عوّدتني الإمداد من كرمك فأمدّني , وآلفتني المعونة بفضلك وإحسانك فأعنّي , ــ وهذه ثالث مرّة ــ والقلم يُطيعُ فيعصي , والفكر يُلبّي ثمّ يُغوي , ألكثرة ذُنوبي ؟ ــ وأنا الخطّاء وأنت العفوّ الغفور ــ أم لما أشاهد من ذنوب غيري ؟ من دماء تُسفك , وحُرُمات تُنتهك , وحُقوق تُداس , وحمى يُجاس وأحرار يُسيطر عليها , وأباطيل باسم العدالة تجري وتنفذ عليها , آلام حلّت محلّ الآمال فقضت عليها , وجحيم حلّت محلّ دار الشّقاء والنّعيم , فها هي البشريّة مُرتمية فيها , (<< ربّنا لا تُؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربّنا ولا تُحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصُرنا على القوم الكافرين ,  أتُهلكنا بما فعل السّفهاء منّا , إن هي إلاّ فتنتُك تُضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين >>) .

حالة الأنام قبل شُروق شمس الإسلام بالسّلام :

        جاء الإسلام ــ والأمم رومانُها وفرسها وعربُها بين ملكيّة تُسيطرُ على الذوات والأشباح وكهنوتيّة تتغلّب على القلوب والأرواح ــ كلّ في خُطّته عابث ببني الإنسان , مُتفنّن في ضُروب الفساد والطّغيان طورا يعمد إلى الإزهاق بعدما ملّ من الإرهاق فتقدّم تلك النّفوس البشريّة بين يدي نجوى مقدّمها ضحايا وقربانا للمعبودين , وطورا تحرق بالنّار بعد ما سئمت من ضروب البوار , حدّا وكفارة على أيدي أولئك الفجّار , كلّ ذلك باسم الدّين . وإذا بالأرواح تحرّرت من قيود خرافها , وإذا بالنّفوس تنفست من خنق سفاسفها , إلاّ أنّ هؤلاء هم الذين حرّروا بعدما استعبدوا وصلحوا بعدما فسدوا وصعدوا في مراقي الرّقي والمدنيّة بعدما انحطّوا في الدّرك الأسفل من الهمجيّة .

حمدا وثناء على حامل لواء السّلام ومُؤسّس جامعة الأخوّة والوئام :

        هل ذلكم الخير الإنساني , وتلكم السّعادة البشريّة جاء على يد ساسة أروبا وزُعمائها ؟ أم على يد فلاسفتها وحُكمائها ؟ أم على يد دكاترتها وأساتذة كلّياتها ؟ كلّ ذلك والله ما كان ولمّا يكن ولن يكون .

       إنّما ذلك كلّه على يد رجُل عربيّ حجازيّ قرشيّ , ولد عبد الله وسليله , ويتيم أبي طالب وكفيله , وأمّي الحرم الأمّي , وخميله , وقرين زيد بن حارثة وزميله , بيد أنّه مُعلّمُ جبريلُ عليهما السّلام فهو رائده ودليله . صاح في تلك الجُموع صيحة الحقّ ــ وهو الفرد وقاوم شكاتهم ــ وهو الأعزل ــ وحاجّهم فحجّهم ــ وهو الأمّيّ الذي ما قرأ ولا كتب كتابا لا حكمة أفلاطون ولا نظريات أرسطو ــ كما قال له ربّه في القرآن : (<< وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لارتاب المُبطلون , بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحدُ بآياتنا إلاّ الظّالمون >>) . فاهتزّ لصيحته العالم من أقصاه إلى أدناه للانقلاب الدّيني والسّياسي الذي دهاه ليهنك يا رسول الإنسانيّة جمعاء , ومُنقذ البشريّة كافة , وإن لم يُنصفك جميعهم , ولم يُقدّرك حقّ قدرك كافتهم . نُور خطف أبصارهم فلم يُبصروك , وعظم أذهل عقولهم فلم يكتنهوك , أجل لكن التّاريخ قد أدرك قدرك فعظّمك كلّما حاول مُحاول ليّ فخرك إلاّ وينشُرُه على الورى , وكلّما رام رائم كتمان فضلك إلاّ ويطيره حتّى يبلغ عنان السّماء , فلو وسعتك الدّنيا ــ وكان يقدر أن يخلق لك مثالا , لاتّخذك لك فيها مثالا , لكن من قلوب البشر , لا من المعادن كالذهب والحجر .

الإسلام وحثه على السّلام بنهيه عن الإكراه والاضطهاد , والسّيطرة والاستبداد :

        لا شيء أحمل للبشر على الحروب والتّشاجُر , وأعظم مُثير لحميّتها على التّطاحُن والتّدابُر كالظّلم والاستبداد , والإكراه والاضطهاد فلهذا جاء الإسلام ماحيًا لهما ناعيا على أهليهما سوء حالهما .

قال تعالى : (<< فذكر إنّما أنت مُذكر ,لست عليهم بمُسيطر , وقال تعالى : وما أنت عليهم بجبّار فذكّر بالقرآن , وقال تعالى : لا إكراه في الدّين , وقال تعالى : أفأنت تُكره النّاس حتّى يكونوا مُؤمنين , وقال تعالى : وشاورهم في الأمر , وقال تعالى : وأمرهم شُورى بينهم , وقال حاكيا عن بلقيس وقومها : يا أيّها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتّى تشهدون , وقال تعالى : وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها , وقال تعالى : ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم لست مُؤمنا , وقال تعالى : وإذا جاءك الذين يُؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم , وقال تعالى : يا أيّها الذين آمنوا ادخُلوا في السّلم كافة >>) , وغير ذلك من الآيات والأحاديث .

سلامُ الإسلام لا يُخرجُه عن حدّ الاحتفاظ بالكرامة الإنسانيّة , ولا حُرّيته ترتمي به في مهاوي الإباحيّة والإلحاديّة :

        من قواعد الإسلام المُقرّرة , وأصوله الثابتة المُحرّرة أنّه كما حرّم الظّلم كذلك حرّم الرّضى به , والخُضوع والاستكانة لحربه وحزبه , احتفاظا بالكرامة , واجتلابا للأمن والسّلامة , فلهذا شرع القتال دفاعا لا مُهاجمة , وضرورة مُرخّصا فيها لا قاعدة يُبنى عليها , قال تعالى : (<< أذن للذين يُقاتلون بأنّهم ظُلموا , وقال تعالى : وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إنّه لا يُحبّ المُعتدين , وقال تعالى : ألا تُقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرّسول وهم بدءوكم أوّل مرّة ــ وأثنى على قوم بقوله :والذين إذا أصابهم البغيُ هم ينتصرون ــ وعذرهم بقوله : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ــ >>) وغير ذلك من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة .

ردّ شُبهة , ودحضُ حُجّة :

        ما زال أعداء الإسلام وخفافيش الدّجى والظّلام , أولوا الأحلام الطّائشة والأقلام الهائشة يهرفون بما لا يعرفون ويكتبون ما به يبكتون ويكتُبون أنّ الإسلام ــ الذي هو دين السّلام ــ جاء بالسّيف والرّمح والحيف والذبح , أي أنّه يقول : ( أدخل ديني وإلاّ يتنحّ دماغُك ) ويستدلّون بقوله صلّى الله عليه وسلّم أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله , ويجعلون هذه قاعدة مُطردة صالحة لكلّ جيل وقبيل وزمان ومكان هذا رأي فريق , ورأيُ فريق آخر يقول صاحبه : دينُكم هو الذي يقول ( أعطني مالك وإلاّ نسوّد حالك ) ويستدلّون بقوله تعالى : (<< قاتلوا الذين لا يُؤمنون بالله ــ إلى قوله تعالى ــ حتّى يُعطُوا الجزية عن يد وهم صاغرون >>) وهذا كلّه ناشئ عن تعصّب , أو جهل بدين الإسلام ومراميه , الذي أصبح بترك التّمسّك به حجّة على المُنتمين إليه .

( الجوابُ ) :

       جوابُ كلّ فريق واضح ــ ولله الحمد ــ لمن أزال عن فكره عصائب العصبيّة وعَرفَ دين الإسلام معرفة أساسيّة .

جوابُ الفريق الأوّل هو :أنّه لمّا كانت الفرق زمن البعثة اثنتي : وهما مُشركون وأهل كتاب أمّا المُشركون فلا بدّ لهم من واحد من اثنين : الإسلام أو الإعدام , وهو نفسُ السّلام لما يتّضح بعد وذلك لغوائلهم المخطرة على الجامعة البشريّة لعدم رادع يردعُ ظلمهم الفادح ووازع يزع شرّهم المُستطير من الأديان السّائدة عصرئذ ولو كانت خُرافيّة لأنّ الدّين الخُرافي ــ خير من لا دين ــ من ناحية تقليل الشّرور والمفاسد هذا بالنّسبة للمخلوق أمّا بالنّسبة لخالقهم وفاطرهم فشركهم هو نهاية الفساد والظّلم لقوله تعالى : (<< إنّ الشّرك لظلم عظيم >>) والظّلم هو : وضع الشّيء في غير محلّه , وصرفه لغير مُستحقه , وهؤلاء صرفوا وجهتهم المربوبة لله لغيره ووضعوا عبادة الله تعالى في سواه وهذا نهاية الظّلم فهم حينئذ كالأنعام الكلبة والوُحوش المُفترسة , والسّباع العادية , أو الأعضاء الشّلّ على هيكل الجامعة البشريّة فاستوجبوا بذلك القطع والفتل إذا لم ينجوا بدواء التّوحيد ويحتموا من استفراغ مواد الشّرك بالتّوبة فيستريح من أخذهم الوبيل , وشرّهم المُستطير المجموع البشريّ .

وأمّا جوابُ الفريق الثاني فهو :في حقّ أهل التّوحيد لأنّهم لمّا كانوا ليسوا بمُشركين وكانوا يقولون لا إله إلاّ الله , وإنّما كانوا لا يعترفون لمُحمّد صلّى الله عليه وسلّم بالرّسالة أو يعترفون بها ولكن للعرب خاصّة لم يخف جانبُهم الوحشيّ كالأوّلين , ولا خطرهم الإباحيّ كالمُشركين فخففت عليهم الوطيئة بترك قتالهم مع ضرب شيء من الجزية عليهم تُؤذنُ بمظنّة الأمن من ناحيتهم وعدم خوف غائلتهم ما داموا يُؤدّونها , زد على هذا أنّ هذه الجزية إنّما تُؤخذ غالبا في مُقابلة حماية الإسلام وردّ غائلة كلّ أجنبيّ يُريدُ السّيطرة عليهم واستعبادهم لمصالحه , وتسخيرهم لمطامعه ومطامحه . وأخيرا إنّ السّيف في الإسلام شُرع مُدافعة لا مُهاجمة فهو ضرورة تقدّر بقدرها , وتُشرعُ عند الاضطرار إليها ثمّ تزُول .

استدلال عام يُلائم ما تقدّم من الكلام :

        1ــ من عناية الإسلام بالسّلام أن اشتُقّ اسمُه منه فكانت كلمة الإسلام مُشتقة من مادّة سلم .

        2ــ أن جَعل التّحيّة الشّرعيّة لا تكون إلاّ به وهي إلقاء السّلام وأوجب الرّدّ به أو بأحسنه .

        3ــ أمره لنا بقرنه مع الصّلاة على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم .

        4ــ أمرنا بالدّعاء به لنا ولعباده الصّالحين في تشهّد صلواتنا التّي تكرّر في اليوم خمس مرّات .

        5ــ جعله شعارا للخروج من أعظم شعائر الإسلام التّي هي الصّلاة .

        6ــ جعلُه تحيّة الملائكة لعباده في الجنّة .

        7ــ أمرُه لنا بإلقائه على الموتى ( السّلامُ عليكُم دار قوم مُؤمنين ) .

        8ــ تكريمه لبعض رُسُله به في قوله : وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم , وفي قوله : يا نُوح اهبط بسلام منّا وغيرهما .

        9ــ لا يُعتدّ بإسلام الإنسان إلاّ إذا سلمت النّاسُ من لسانه ويده في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( المُسلمُ من سلم النّاسُ من لسانه ويده ) , وهذا ــ لعمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي لا تسعد البشريّة إلاّ بدينه ــ لهو نهاية العافية والأمن والسّلام .                             

 سطيف عُمر بن البسكري .



 مجلّة الشّهاب , الجُزء الخامس المُجلّد الخامس عشر . [1]