مولده و نشأته:
هو العربي بن بلقاسم بن مبارك بن فرحات الجدري التبـسي ، وأمه هي السيدة آمـنة بنت عبيد بن فرحـات الجدري التبسي المولود بدوار اسطح من أحواز بلدية العقلة دائرة الشريعة - الواقعة في الجنوب الغربي من ولاية ومدينة تبسة - سـنة 1891م - 1308هـ .
وكان يعرف في سجلات الإدارة الفرنسية البلدية والأمنية بلقب جدري وفرحات ، واشـتهر بلقب العربي التبسي ، وكان العربي وحيد والديه فلم ينجباه إلاّ بعد عقد من زواجهما .
ولما بلغ العربي قرابة الست سـنوات توفي والده بلقاسـم وهو في عقده الخامس ، ليصبح العربي يتيما منذ فجر طفولته ، وسرعان ما تزوج عمه عمار من أرملة أخيـه بلقاسـم على عـادة وأعراف قبيلة النمامشة وسائر القبائل الجزائرية ، فكان له - باعتراف أخيه - نعـم الأب العطوف الرحيم ، معوضا ابن أخيه حرمان عاطفة الأبوة الذي فقده بفقده لأبيه .
وقد رزق العربي - بعد زواج أمه بعمه عمار - بخمسة إخوة هم: ( الحفصي . البشير . بلقاسـم .الهادي . عبد المجيد ) .
وأعمامه : ( الحفناوي ، و الصادق ، و مسعود ، و أحمد ، محمد ، عثمان ) - رحمهم الله - كانوا يحفظون كتاب الله وكانت خيمتهم تسمى بخيمة القرآن حيث يتولى أعمامه - بالإضافة إلى مهامهم الزراعية والرعوية والأمنية والتجاريـة - تحفيظ أبناء العشيرة كلها القرآن الكريم، وكذلك كان أبوهم مبارك جد الشيخ العربي ، الذي كان حافظة للقرآن الكريم وعالما بالعلوم العربية والدينية في قومه .
طلبه للعلم:
نشأ العربي التبسي في عشيرته "الجدور" التي كانت تعتز بخيمة والده وجده وأعمامه القرآنية، وفي تلك الخيمة القرآنية المباركة حفظ العربي التبسي سـور القرآن الكريم الأولى على يد والده أولا، ثم على يد عمه عمار ثانيا وهو دون سن العاشرة .
وقد رأى عمه فيه أمارات النجابـة ومخايل الذكاء فتركــه عهدة عند الشـيخ الطيب بـن الحفناوي الرشـاشـي الزواوي في زاوية ( أولاد رشـاش بالزوّي ) ليحفظ في زاويته وعلى يديه القرآن الكريم فمكث عنده سـنتين كاملتين ، ليعود بعدها إلى بلدته "اسطح "وقد حفظه كاملا وسـنه تقارب الثالثة عشرة ، وذلك أواخر سنة 1904م .
يمكن تقسـيم مراحل طلبه للعلم إلى مايلي :
1 - المرحلة التعليمية الأولى ( 1895 - 1904م )
وتقسم هذه المرحلة بدورها إلى فترتين رئيستين هما :
- القسم الأول ( 1895 - 1902م )
وتبدأ هذه المرحلة وهـو يتلقى القرآن في كتاب عشـيرته في خيمة جـده وعمـه القرآنية ، إذ تلقى السور القرآنية الأولى عندهما ، ولتنتهي وعمر العربي عشر سنوات تقريبا سنة 1901م .
- القسم الثاني ( 1902 - 1904م )
وتبدأ هذه المرحلة منذ أن عهد به عمه إلى الشـيخ الطيب بن الحفناوي الزواوي في زاوية أولاد رشاش بالزوي ليمكث عنده في زاويته سنتين وبضعة شهور وليحفظ على يديه القرآن الكريم .
2 - المرحلة التعليمية الثانية ( 1904 - 1909م )
وبعد عودتـه إلى دوار اسـطح قـرر الشـيخ الطيب الرشـاشـي أخـذ تلميذه معه إلى زاويـة" الخنقة" المعروفة بزاويـة" خنقـة سـيدي ناجي" ، أو "بخنقة الليانـة " بالقرب من مدينة بسـكرة ، ومكث فيها مدة سـت سنوات أتقن خلالها حفظ القرآن بالقراءة المغربية، وتعلم أيضا مبادئ العلوم العربية والدينية، وليظل في الزاوية طالبا للعلم إلى نهاية سنة 1909م ، وفي زاوية الخنقة قرأ على يد الشيخين الفاضلين : سيدي حامد مدرس الفقه والعربية ، وسيدي سالم مدرس القراءات .
3 - المرحلة التعليمية الثالثة ( 1909 - 1912م )
وبتوصية من أساتذته في زاوية الليانة انتقل ليزاول دراسته في زاوية سيدي مصطفى بن عزوز النفطي الجريدي الرحماني سنة 1910م بالجريد التونسي جنوبا .
وبها حفظ متون العقيدة وعلم الكلام والمنطق والفقه وعلم الأصول واللغة العربية والأدب شعره ونره وبلاغته .. فأتقن متونها من "المكودي ، والأجرومي ، وابن عاشر ، ومتن سيدي خليل .. "
ودرس على يد كبارعلماء الزاوية أمثال الشيخ إبراهيم بن الحداد والشيخ محمد بن أحمد النفزاوي والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ التابعي بن الوادي، وغيرهم .
وبزاوية "نفطة" قضى الشيخ العربي ثلاث سـنوات وبضعة شهور ليعود بعدها إلى "دوار اسطح "في صيف سنة 1912م منتزعا توصية من شـيوخه في الزاويـة تزكيـة للالتحاق بالجامعة الزيتونيـة بتونـس ،نظرا لما رأوا فيه من مخايل الفطنة والنباهة والذكاء والاستقامة وحب العلم والإرادة في طلبه .وهو ما حصل له بالفعل ليجد نفسه طالبا في جامع الزيتونة المعمور .
3 - المرحلة التعليمية الرابعة (1913 - 1919م )
التحق العربي بجامع الزيتونة المعمور بتوصية من شيوخه النفطيين الجريديين الرحمانيين أواخر سـنة 1913م - 1332هـ ، وانظم إلى طلبته فنال شـهادة الأهلية سـنة 1915م - 1334هـ بعد سـنتين من الدراسة والتحصيل، ثم نال شهادة التحصيل سنة 1917م 1336هـ ، واستمر في دراسته لينال بعدها شهادةالتطويع التي تركها سـنة 1919م - 1338هـ بسـبب هجرته إلى مصر ، ولينالها عام 1345هـ - 1927م بعد عودته من مصر ودراسته بجامعة الأزهر وليحمل العالميتين : ( عالمية الأزهر الخاصة بالغرباء 1925م - 1343هـ وعالمية الأزهر الكبرى سنة 1927م - 1345هـ ) .
وهكذا ينال الشـيخ العربي من جامع الزيتونة المعمور شـهاداته العلمية الثلاث : ( الأهلية 1915م والتحصيل 1917م والتطويع 1927م ) .
وكان الشيخ العربي قد انتخب من قبل زملائه الجزائريين في الدراسـة في جامع الزيتونة ليشغل لهم منصب الكاتب العام لجمعية الطلبة الجزائريين الزيتونيين خلال سنوات ( 1914- 1919م ) ، ومن زملائه الذين درس معهم الشيخ مبارك الميلي . ومحمد السعيد الزاهري السنوسي .
5 - المرحلة التعليمية الخامسة ( 1920 - 1927م )
انتقل العربي من تونس إلى مصر أواخر 1919م ، وهو على أبواب اجتياز امتحان شهادة التطويع العالية بالجامعة الزيتونية ، والتي بها سيختم بها دراسته الجامعية على متن باخـرة تجارية فرنسية قديمة متجهة إلى مصر ، متخفيا في إحدى مقصوراتها ، ونـزل متخفيا في ميناء الإسـكندرية ، وليـس معه من النقود شيء وليلتحق بالجامع الأزهر برواق الطلبة المغاربة الذين كانـوا يعيشون من بـر وأموال أوقاف المسلمين الجزائريين ومن الخيرين بمصر. وقد لاقى من شيخ الرواق والمسؤول عنه ومن سائر إخوانه الجزائريين والمغاربة بالرواق الترحاب الكبير ، مما ساعده على الإقبال بانتظام في سلك الدراسة ، التي فاق فيها أقرانه المغاربة والمشارقة من الطلبة المسلمين .
جهوده الدعوية:
وقد بدأ الشيخ رحمه الله نشاطه التعليمي الإصلاحي بممارسته لمهنتي التربية والتعليم مدرسـا ، والإمامة والوعظ والإرشاد في جامع ومدرسة تبسة ، ثم في مسجد سيدي أبي سعيد لاحقا.
فبعد عودته من مصر عام 1927م كان ينظم في مسجد سيدي أبي سعيد دروسـا دينية دعوية يومية بعـد صلاة العشـاء في : الحديث والتفسير والفقه والسيرة والتاريخ الإسـلامي، تناسب مستوى عامة الناس من سكان تبسة.كما لبى الشيخ و الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ مبارك بن محمد الميلي والشيخ الطيب العقبي والشيخ السعيد الزاهري و الشيخ محمد بن خير الدين دعوة الشيخ ابن باديس في سنة1928 م قصد تكوين جمعية دينية "جماعة الرواد" لبداية العمل الإصلاحي الجمعي في الجزائر.
وظل الشيخ العربي بتبسة مدرسا وواعظا ومرشدا بمسجد أبي سعيد متحديا العراقيل الاستعمارية من جهة ، وعراقيل الطرقيين ،إلى أن دعاه الشيخ ابن باديس لإدارة مدرسة سـيق الابتدائية أواخر سنة 1929م ، فترك الشيخ العربي بلدته تبسة مكرها .
وقد شكل الشيخ العربي أثناء تواجده بمدينة سـيق طليعة إصلاحية، قوامها جماعة إرشادية تعمل لصالح الدين والجزائر، وظل الشيخ معلما ومدرسا ومديرا وواعظا وإماما وخطيبا وقاضيا بين الناس وفي عام1933 عاد إلى مدينته تبسة بعد إلحاح أهلها عليه، وأسسوا الجمعية والمدرسة والمسجد الجامع ـــالذي إشترطهم عليهم مقابل العودة .
وقد كان الشيخ العربي مرجعية دينية وعلمية وتربوية وأخلاقية لأهل تبسة، فبمشاركته حققت الجمعية الخيرية لأهل المدينة بناء مدرسة تهذيب البنين والبنات سنة 1934 ،وفي سنة 1936م بوشـر ببنـاء المسجد الجامع الحر ، الذي صار قبلة لكل أهل الإصلاح من سكان المدينة والقادمين من الأرياف ، وأفل نجم المسجدين أبي سعيد والعتيق .
كما أسند للشيخ رحمه الله إدارة معهد عبد الحميد بن باديس (1947-1956م) طيلة عقد من الزمان، يعينه في إدارته الشيخ محمد خير الدين البسكري،إلى حين غلق الإدارة الاسـتعمارية لمدارس الجمعية عامة ولمعهد عبد الحميد بن باديـس يوم 21/11/1956م ، وتشتت طلابه ، ومنها انتقل الشيخ إلى الجزائر العاصمة .
أما بالنسبة لعمله مع جمعية العلماء المسلمين،و مع تأسيسها سنة 1931م ،عُيِّن نائبا للكاتب العام سنة 1932م،ليعيّن كاتبا عاما للجمعية من سنة 1936م إلى1946م و الذي نال فيه منصب نائب الرئيس،و بقي الشيخ رحمه الله نائبا للرئيس حتى بعد رحيل البشير الإبراهيمي إلى المشرق العربي يوم 07/03/1952م
ظل الشيخ العربي يشغل منصب نائب رئيس الجمعية حتى بعد جلستها الإدارية المنعقدة بالجزائر العاصمة أيام27/28/29/ سبتمبر1954م لاعتبارات إصلاحية لها صلة بتماسك الجمعية أثناء غيابه في موسم
الحج إلى غاية حل الجمعية .
و فاته رحمه الله:
اكتنف الغموض ظروف اختطاف الشيخ العربي كما اكتنف الغموض أيضا حيثيات اختفائه عن مسرح الحياة ، وبين اتهـام وتفنيد وتكذيب الأطراف المعنية باختطافه ضاعت حقيقة وفاته واسـتشـهاده ، اعتمد الدارسون في التأريخ لوفـاة الشيخ على بلاغ جمعية العلماء المنشور في جريدة المقاومة، الذي يعد اختفاءه ابتداء من ليلة الخميس 04/رمضان/1377هـ الموافق لـ 04/04/1957م وقد روى الشيخ محمد علي دبوز طريقة وفاة الشيخ العربي بأنه ألقي به من الطائرة في البحر.
المصدر : منارات من شهاب البصائر للشيخ العربي بن بلقاسم التبسي للدكتور أحمـد عيساوي
< السابق | التالي > |
---|