ترجمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

إرسال إلى صديق طباعة PDF
تقييم المستخدمين: / 6
سيئجيد 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه آثار وحياة الإبراهيمي:

   إذا استعرضنا حياة الإبراهيمي نجدها تنقسم إلى سبعة أقسام:

1_ مرحلة التكوين و التحصيل الأولى (1889-1911):

ولد بقرية " رأس الوادي "بناحية مدينة سطيف بالشرق الجزائري في 14 يونيو  عام 1889م ،وفي بيت أسِّس على التقوى ،من بيوتات العلم و الدين ، و قد أتم حفظ القرآن الكريم على يد عمِّه الشيخ المكي الإبراهيمي الذي اكتشف مواهبه المبكرة ، وكان له الفضل الأكبر في تربيته و تكوينه ،حتى جعل منه ساعده الأيمن في تعليم الطلبة .

2_ الرحلة المشرقية الأولى (1911- 1920):

هاجر جدي ،الشيخ السعدي الإبراهيمي إلى المدينة المنورة عام 1908هروباً من ويلات الاستعمار الفرنسي ، ولحق به والدي عام1911 ، تأكيداً للتفاعل بين المشرق و المغرب، مرورا بمصر التي أقام بها ثلاثة أشهر ، التي التقى خلالها بعدد من علمائها و أدبائها و شعرائها ، و حضر بعض دروس العلم في الأزهر ، و عندما  استقر بالمدينة المنورة درس فيها على كبار علمائها – الوافدين من كل أنحاء العالم الإسلامي –علوم التفسير ، و الحديث ،و الفقه، و التراجم ، و أنساب العرب ،و أدبهم ،و دواوينهم ، كما درس علم المنطق و الحكمة المشرقية ، و أمهات كتب اللغة و الأدب ، ثم أصبح يلقي الدروس للطلبة في الحرم النبوي ، و يقضي أوقات فراغه في المكتبات العامة و الخاصة باحثا عن المخطوطات .

و التقى خلال إقامته بالمدينة المنورة ، في موسم الحج عام 1913،بالإمام عبد الحميد ابن باديس، وما من شك أن تلك اللقاءات شهدت ميلاد فكرة تأسيس جمعية العلماء .

و في سنة 1917،انتقل الإبراهيمي إلى دمشق ،حيث دعته حكومتها الآداب العربية بالمدرسة السلطانية (مكتب عنبر)، و هي المدرسة العصرية الوحيدة آنذاك ،بالإضافة إلى إلقاء دروس الوعظ و الإرشاد في الجامع الأموي ،و قد تخرج على يديه جيل من المثقفين كان لهم أثر بالغ في النهضة العربية الحديثة .

من الأماكن التي كانت لها مكانة خاصة في قلب الوالد –بعد مسقط رأسه- المدينة المنورة ، و كان رحمه الله – يحثني – بعد الاستقرار – على قضاء شهر رمضان بالمدينة ،لما للمكان من بعد روحي ، ولسكانها من خلق و طيبة ، و مدينة دمشق التي تزوج فيها بوالدتي رفيقة العمر – رحمها الله رحمة واسعة – ودفن فيها والده و حماه و ابنه.

3 – مرحلة الإرهاصات (1920-1931):

قرر الإبراهيمي العودة إلى الجزائر سنة 1920 ، و في مخيلته فكرة حركة تحيي الإسلام و العربية في الوطن و تنشر العلم ،و تبعث الأمة ، و أعجب بعد وصوله بالنتائج المثمرة التي حققها ابن باديس الذي كان يقود حركة ثقافية و صحفية بمدينة قسنطينة ، فأقام بمدينة سطيف و أنشأ بها مدرسة و مسجداً ، بعد أن رفض الوظيفة التي عرضت عليه من طرف السلطات الفرنسية ، و تعاطى التجارة ليقوم بأود عائلته ، وبقي على اتصال بابن باديس. وخلال هذه المرحلة تردد على مدينة تونس حيث كان يقيم أصهاره،و حيث كانت له صداقات في الأوساط العلمية و الأدبية .

4- بدايات جمعية العلماء (1931-1940):

في عام 1931 تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، كرد فعل إيجابي على احتفال فرنسا بمرور قرن على احتلال الجزائر، بعدما أيقنت أن الجزائر قد أصبحت إلى الأبد قطعة منها ، مسيحية الدين ، فرنسية اللسان ، فجاء شعار الجمعية صارخاً مدوياً في وجه فرنسا ، و راسماً طريق الخلاص منها : " الإسلام ديننا ،و العربية لغتنا ،و الجزائر وطننا ".

ووضع الإبراهيمي دستور الجمعية و قانونها الأساسي ، و أصبح نائباً لرئيسها الإمام ابن باديس ، ومنذ عام 1933 تكفل بالمقاطعة الغربية من القطر ، و اختار مدينة تلمسان مركزا لنشاطه المكثف ، و أسس فيها "مدرسة دار الحديث " سنة 1937 ، بنيت على نسق أندلسي أصيل ، فكانت مركز  إشعاع ديني و علمي و ثقافي ، و احتوت على مدرسة و مسجد و قاعة محاضرات .

5- قيادة الحركة الدينية و الثقافية بالجزائر (1940-1952):

بعد أن رفض الإبراهيمي رفضاً قاطعاً كل محاولات فرنسا لإغرائه و احتوائه أو تثبيط عزيمته ، قررت السلطات الاستعمارية نفيه إلى قرية "آفلو " في الجنوب الغربي من الوطن ، في مطلع الحرب العالمية الثانية .

و بعد أسبوع من نفيه تلقى خبر وفات رفيقه الإمام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله  ، وخبر اجتماع أعضاء الجمعية و انتخابهم له رئيساً رغم الضغوط الفرنسية الرامية إلى انتخاب غيره ، فتحمل مسؤولية قيادة الجمعية غيابياً،و تولى إدارتها بالمراسلة طول الأعوام الثلاثة التي قضاها في المنفى ،وبعد إطلاق صراحه عام 1943 ، أصبح قائداً للحركة الدينية و العلمية  و الثقافية في الجزائر ، يجوب ربوعها معلما ً و موجهاً و مرشداً، يوحّد الصفوف و يؤسّس المدارس و المساجد و النوادي و يهيِّئ العقول لساعة الصفر التي كانت تخطط لها نخبة من الحركة السياسية .و قد زجَّ به في السجن بعد أحداث مايو 1945، بقي فيه عاماً كاملاً ذاق الأمرّين في زنزانة تحت الأرض حيث الظلمة و الرطوبة ، مما استدعى نقله إلى المستشفى العسكري بقسنطينة ، فتحمل هذه المحنة بصبر المجاهد ، ويقين المؤمن .

وفي سنة 1946 استأنف نشاطه ، فبعث جريدة "البصائر " من جديد في السنة الموالية بعد أن توقف أثناء الحرب ، وأشرف على تحريرها ، كما أسس معهداً ثانوياً أطلق عليه اسم رفيقه و صديقه المرحوم عبد الحميد ابن باديس في قسنطينة حظيت شهادته بالاعتراف من الجامعة الزيتونية ومن معاهد الشرق العربي ، ومن هذا المعهد تخرّج رجال قادوا الثورة المسلحة ، فمنهم من استشهد في الجهاد الأصغر ، و منهم من ساهم غداة الاستقلال في إعادة بناء هذا الوطن كقياديين أو إطارات سامية في الدولة ...

6- الرحلة المشرقية الثانية(1952-1962):   

سافر الإبراهيمي إلى المشرق العربي للمرة الثانية عام1952 ممثلاً لجمعية العلماء ليسعى لدى الحكومات العربية لقبول بعثات طلابية جزائرية في معاهدها و جامعاتها ، وطلب الإعانة المادية و المعنوية للجمعية حتى تستطيع مواصلة أعمالها و جهادها ، و التعريف بالقضية الجزائرية في الأوساط السياسية في الدول التي زارها أو التقى مسؤوليها ، ولدى جامعة الدول العربية .

وقد اتخذ مصر منطلقاً لنشاطه ، ورعى فيها أولى البعثات الطلابية ،وكان سفيراً للجزائر و صوتها المدوي، يلقي المحاضرات و الدروس ، و الأحاديث الإذاعية قبل الثورة التحريرية و أثناءها . و قد زار في هذا الشأن -بعد مصر- كلاً من المملكة العربية السعودية ، و العراق ، و سوريا ،و الأردن و الكويت وباكستان .

و وجّه يوم15 نوفمبر 1954 – أي بعد أسبوعين من اندلاع الثورة – نداء إلى الشعب الجزائري ، يدعوه فيه للالتفاف حول الثورة المسلحة ، وخوض غمار الجهاد المقدّس ، و التضحية بالنفس والنفيس ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لحياة العزّة و الكرامة ، وكان هذا النداء إسكاتاً لكل من يريد التشكيك في شرعية الجهاد باسم الدين ،ودفعاً قوياً للثورة الوليدة .

7- المرحلة الأخيرة (1962-1965):

و هي التي عاد الإبراهيمي فيها إلى وطنه بعد استعادة الاستقلال حتى وفاته في 20 مايو 1965 ، وخلال هذه المرحلة اضطر إلى التقليل من نشاطه بسبب تدهور صحته من جهة ، وبسبب سياسة الدولة التي شعر أنها زاغت عن الاتجاه الإسلامي ، فانحصر نشاطه في حدثين مهمين هما :

ـــــ إلقاء أول خطبة جمعة بعد استعادة الاستقلال ، افتتح بها مسجد" كتشاوة "بالعاصمة ،الذي رجع كما كان مسجداً بعد أن حوله الاستعمار الفرنسي إلى كاتدرائية طول قرن وثلث، وقد ألقى الإبراهيمي هذه الخطبة المشهورة بحضور وفود من جميع الدول العربية و الإسلامية .

ـــــ إصدار بيان 16 أفريل 1964، الذي دعا فيه السلطات آنذاك للعودة إلى الحكمة و الصواب ، وإلى جادة الإسلام بعد أن رأى البلاد تنحدر نحو الحرب الأهلية ،  تنتهج نهجاً ينبع من مذاهب دخيلة مضادة لعقيدتنا و روحنا  و جذورنا . 

آثاره رحمه الله :

عيون البصائر : و هي المقالات التي كتبها في جريدة "البصائر " في سلسلتها الثانية .

كتاب بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر:التزم فيه اللهجة السائدة اليوم في مواطن هلال بن عامر .

كتاب النقايات و النفايات في لغة العرب : جمع فيه كل ما جاء على وزن "فعالة"(من مختار الشيء أو مرذوله).

كتاب أسرار الضمائر في العربية .

التسمية بالمصدر .

الصفات التي جاءت على وزن "فَعل" بفتح العين.

نظام العربية في موازين كلماتها .

الاطراد و الشذوذ في العربية (رسالة في الفرق بين لفظ المطرد و الكثير عند ابن مالك).

كتاب ما أخلت به كتب الأمثال من الأمثال السائرة .

رسالة في ترجيح أن الأصل في بناء الكلمات العربية ثلاثة أحرف لا إثنان .

رواية :كاهنة الأوراس .

رسالة في مخارج الحروف وصفاتها بين العربية الفصيحة و العامية .

كتاب حكمة مشروعية الزكاة في الإسلام.

كتاب شعب الإيمان : جمع فيه الأخلاق و الفضائل الإسلامية .

و من أعظم ما دون رحمه الله ، ملحمة رجزية نظمها في السنين التي كان فيها مبعداً في الصحراء الوهرانية ، وهي تبلغ ستة وثلاثين ألف بيت من الرجز السلس اللزومي في كل بيت منه، و قد تضمنت فنوناً من المواضيع : تاريخ الإسلام ووصف لكثير من الفرق التي حدثت في عصرنا هذا ، و للمجتمع الجزائري بجميع فرقه و نحله ، ولأفانين في الهزل للمذاهب الاجتماعية و الفكرية و السياسية المستجدة ، و الإنحاء على الابتداع في الدين ، و تصوير لأولياء الشيطان، ومحاورات أدبية رائعة بينهم و بين الشيطان ، و وصف للاستعمار و مكائده و دسائسه و حيله و تخديراته للشعوب للقضاء على مقاومتها .

  و هناك العديد من المحاضرات و الأبحاث التي كتبها عنه تلامذته حين ألقاها و فتاوى متناثرة .

 

 

المصدر :آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي لنجله طالب الإبراهيمي (ج1 –ج5)