نقلا عن مقال بعنوان ـ( مُلك النّبوّة ــ مجالس التّذكير ــ )ـ للأستاذ العلاّمة عبد الحميد بن باديس , والذي نشرته مجلّة الشّهاب في جُزئها الثاني من المجلّد الخامس عشر , الصّادر في غُرّة صفر 1358 هجريّة الموافق ل 23 مارس 1939 للميلاد :
<< من طبيعة المُلك من حيث أنّه مُلك ــ سواء أكان بشريا أم نبويّا ــ مظاهر الأبّهة والجمال والقوّة والفخامة , لما جُبل عليه الخلق من اعتبار المظاهر والتّأثر بها , وهذا إذا كان في الحقّ فهو محمود مطلوب , وإذا كان للباطل والبغي والتّعظيم النّفسي فمذموم متروك , ومن الأوّل أمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عمّه العبّاس رضي الله عنه أن يحبس أبا سُفيان عند خطم الجبل حتّى تمرّ عليه كتائب المُسلمين وذلك لإدخال الرّعب على قلبه بما يرى من النّظام والقوّة , فحبسه العبّاس فجعلت الكتائب تمرّ به فيسأل العبّاس عن كلّ كتيبة فإذا أخبره قال مالي ولبني فلان حتّى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في كتيبته الخضراء وفيها المُهاجرون والأنصار لا يُرى منهم إلاّ الحدق من الحديد فقال مَن هؤلاء ؟ فقال العبّاس : هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المهاجرين والأنصار , قال أبوا سُفيان : ما لأحد بهؤلاء قِبلٌ ولا طاقة , لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيما , قال العبّاس فقلت له : إنّها النّبوّة , فقال : فنعم إذن , قصد أبو سُفيان عظمة الملك القاهر التي كان يعرفها من الأكاسرة وأمثالهم فنفى ذلك العبّاس وردّه إلى النّبوّة التي هي أصل تلك القوّة وذلك الملك النّبوي المُستند إلى الوحي الإلهي ولم يُرد نفي المُلك جُملة , ومنه ما كان من مُعاوية بالشّام : لمّا قدم عليه عُمر وجدّه في أبّهة من الجند والعدّة فاستنكر ذلك وقال له أكسرويّة يا مُعاوية ؟ فاعتذر مُعاوية بأنّهم في ثغر تجاه العدوّ وأنّهم في حاجة إلى مُباهاة العدوّ بزينة الحرب والجهاد فسكت عُمر وأقرّه , فذلك المظهر من مظاهر طبيعة الملك من حيث هو ملك وإنّما أنكره عمر لمّا خاف فيه من تعظّم واستعلاء وإعجاب , فلمّا كان للحق والمصلحة أقرّه >> .
< السابق | التالي > |
---|