بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه, صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, أمّا بعد:   

        اقتضت حكمة الله جلّ وعلا  في خلقه أن تتداعى الأمم على أمّة الإسلام كما تتداعى الأكلة على  قصعتها ــ( صحّ بذلك الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم )ــ , وكان من ذلك أن تعرّضت أمّة الإسلام ــ( بعد ضعف أصابها ومرض سرى في عروقها حتى أطلق عليها اسم الرّجل المريض )ــ إلى حملات استعمارية صليبية حاقدة ,الغرض منها طمس مقوّمات الشعب العربي الإسلامي ــ( ديانة الإسلام وعروبة اللّغة )ــ مع ما يصحب ذلك من نهب لخيرات الأمّة الإسلامية المادّية منها والبشريّة , وما يهمّنا من هذا الأمر في هذا المقام هو ما تعرّضت له بوّابة المغرب الإسلامي وقلب المغرب العربي دولة الجزائر من تلك الحملات فقد كانت من أكثر رقع أمّة الإسلام استهدافا , وقد أثمرت تلك الحملات لأصحابها دخولا استعماريا سنة 1830ميلادية.

        وبعد أن أحكم المستعمر السّيطرة على أهمّ مناطق البلاد ركّز جهده على محاولة طمس مقوّمات هذا الشعب , مع ما كان يتخبّط فيه الكثير منهم من البدع والخرافات وحتّى بعض الشركيات , وهو بذلك كان مصداق آية (<< يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم >>) فدخلت الأمّة بضرب تلك العوامل بعضها في بعض في نفق مظلم فاسد , فساد العقيدة والعبادة وفساد المعاملة والأخلاق , ولكن (<< يأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون >>) فقد أنعم الله على هذه الأمّة بأن قيّض لها رجالا علماء عاملين مخلصين نصروا الملّة والدّين بحرصهم على نشر العلم والفضيلة ومقاومة الجهل والرّذيلة , وحتّى وإن كانوا قلائل مقارنة بحجم الفساد الذي تتخبط فيه الأمة فإنّه يصدق فيهم قول الشّاعر :

وقد كانوا إذا عدّوا قليلا   ***   فقد صاروا أعزّ من القليل

       فأسّسوا في سبيل تحقيق هذا المقصد السّامي والمغزى العظيم جمعيّة تظمّ العلماء المسلمين الجزائريين , فلمّت هذه الجمعية شمل العلماء وقوّت شوكتهم وجعلتهم كجسد رجل واحد قوّته الإيمان وسلاحه العلم وميدانه الشعب .

        وأسّسوا كذلك لهذا الغرض جريدة تكون لسان حال لهم , والنّاطق الرّسمي المعبّر عنهم وعن الشّعب الجزائري المسلم , قال في ذلك الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي : << جريدة البصائر هي إحدى الألسنة الأربعة الصّامتة لجمعية العلماء , تلك الألسنة التي تفيض بالحكمة الإلهية المستمدّة من كلام الله وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم والتي كانت ترمي بالشر ر على المبطلين والمعطّلين وكانت كلّما أغمد الظّلم لسانا منها سلّ الحقّ لسانا لا ينثلم ولا ينبو , وتلك هي : السّنة والشريعة والصراط والبصائر , أسماء الهم القرآن استعمالها وفصّلت القرائح الملتهمة والأقلام المسدّدة إجمالها وصدق واقع العيان فالها >> . فكانت بحقّ هذه الجرائد كما ذكر رحمه الله تعالى , وكانت من بعدهم كما قال الشّاعر :

تلك آثارنا تدلّ علينا   ***   فانظروا بعدنا إلى الآثار

        أقول : إذا كان الحال كما ذكرنا فإنّه يسرّ موقع نور الهدى أن يقوم بنشر ما تيسّر له من الألسنة الأربعة الصامتة لجمعية العلماء , غايته من ذلك بيان عقيدة أجدادنا في المغرب الإسلامي , عسى أن يعقلها ويعمل بها أبناء هاته الأمّة أحفاد علماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين , والله أسأل أن يبارك لنا في عملنا , وأن لا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقه طرفة عين ولا أقلّ من ذلك أبدا , وأن يجعلنا له على ما يحبّ فإنّه تعالى يعلم أنّا نعلم أنّه لنا على أكثر ما نحبّ إنّه وليّ ذلك والقادر عليه والحمد لله ربّ العالمين .