السّنّة المطهّرة : تعليم النّساء الكتابة 2

طباعة
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

السّنّة المطهّرة : تعليم النّساء الكتابة ([1])

عن الشّفاء بنت عبد الله قالت : << دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا عند حفصة , فقال لي : ألا تُعلّمين هذه رُقية النّمِلة كما علّمتها الكتابة >> رواه أبو داوود .

السّند :

        رجاله رجال الصّحيح إلاّ إبراهيم ابن مهدي البغدادي فلم يُخرّج له فيهما لكنّه ثقة , وثّقه أبو حاتم وابن نافع وابن حبّان وقد تابعه غيره وخرّج الحديث أيضا النّسائي والبيهقيّ في السّنن الكبرى والإمام أحمد .

المتن :

الأشخاص :

        الشّفاء هي بنت عبد الله القُرشيّة العدويّة من السّابقات والمُهاجرات الأُول رضي الله عنها وحفصة هي بنت عُمر بن الخطّاب أمّ المُؤمنين رضي الله عنهما .

الألفاظ :

        النّمِلة : قُروح تخرُج في الجنب , ورُقيتها : كلام يقولونه عليها ممّا لا محظور فيه فأقرّه النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يذكر الرّوّاة نصّه .

المعنى :

        عرف صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ الشّفاء كانت علّمت حفصة الكتابة وكانت الشّفاء من عاقلات النّساء وعارفاتهنّ فدعاها إلى تعليم حفصة رُقية النّمِلة وحثّها عليها , ونشّطها لذلك بتذكيرها بتعليمها لها الكتابة فمن كان من شأنه عمل من الأعمال خفّ عليه القيام به , مُبيّنا لها بذلك أنّ تعليم هذه مثل تعليم تلك في النّفع وفعل الخير .

الأحكام والفوائد :

        فيه مشروعيّة الرّقية وذلك بشرط أن تكون بالكلام المفهوم الذي لا محظور فيه كما دلّت عليه الآثار وإذا كانت الأدوية سببا للشّفاء بخواصّها فبعض الأقوال تكون في ذلك مثلها تلك من ناحية البدن وهذه من ناحية الرّوح وقد دلّت على هذا وذاك التّجربة وأقرّت الجميع الشّريعة .

        وفيه تعلم الرّقية وتعليمها مثل كلّ ما يُمكن أن ينتفع به على الوجه المشروع وفيه حثّ العارف بشيء ممّا يحتاج إليه النّاس أن ينشُره بينهم ويُعلّمهم إيّاه .

        وفيه تعليم النّساء الكتابة واستدلّ به على ذلك جماعة من الأئمّة منهم الخطّابي في شارح السّنن وصاحب المُنتقى .

 

توسّع في الاستدلال :

        وأقوى منه في الاستدلال العمومات القُرآنيّة المُتكاثرة الشّاملة للرّجال والنّساء فإنّ مذهب الجماهير وهو المذهب الحق أنّ الخطاب بصيغة التّذكير شامل للنّساء إلاّ بمُخصّص يُخرجهنّ من نصّ أو إجماع أو بضرورة طبيعيّة , لأنّ النّساء شقائق الرّجال في التّكليف ولا خلاف في أنّه إذا اجتمع النّساء والرّجال ورد الخطاب أو الخبر مُذكّرا على طريقة التّغليب .

        وتأمّل قوله تعالى : (<< وليكتُب بينكم كاتب بالعدل >>) وقوله تعالى : (<< واستشهدوا شهيدين من رجالكم , فإن لم يكونا رجُلين فرجُل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء >>) كيف نصّ في الثّانية على الرّجال لمّا كان الحال مُقتضيا لهم وأطلق في الأولى فدلّ على أنّه لا فرق بين أن يكون الكاتب رجُلا أو امرأة وهو من أدلّة مشروعيّة تعلّم النّساء الكتابة , وكلّ آية دعت للعلم قد دعت للكتابة لأنّ الله قد بيّن لنا أنّه علّم بالقلم ليُبيّن لنا أنّ القلم هو طريق العلم وآلة حفظه وتدوينه وأقسم بالقلم تنويها بشأنه وجاء ذلك كلّه على الخطاب العامّ الشّامل للنّساء شُموله للرّجال والعُمومات إذا تكاثرت أفادت القطع ولهذا جعلنا هذا الطّريق من الاستدلال أقوى من الاستدلال بالحديث الذي هو خبر آحاد وخبر الآحاد ــ من حيث ذاته ــ يُفيد الظّنّ وإن كان صحيحا , وحيث تواردت تلك العمومات وثبت هذا الحديث فقد بلغ الدّليل بنصّه وقطعيّته غاية القُوّة والبيان .

الاقتداء :

        فاستنادا إلى هذه الأدلّة , وسيرا على ما استفاض في تاريخ الأمّة , من العالمات الكاتبات الكثيرات ــ علينا أن ننشُر العلم بالقلم في أبنائنا وبناتنا , في رجالنا ونسائنا , على أساس ديننا وقوميتنا إلى أقصى ما يُمكنُنا أن نصل إليه من العلم الذي هو تُراث البشريّة جمعاء , وثمار جهادها في أحقاب التّاريخ المُتطاولة , وبذلك نستحقّ أن نتبوّأ منزلتنا اللاّئقة بنا والتي كانت لنا بين الأمم .       



    : مجلّة الشّهاب الجُزء الثالث المُجلّد الخامس عشر.( [1] (