الزّاهري وطيّارة في زيارة سيدي عابد

طباعة
تقييم المستخدمين: / 0
سيئجيد 

        نقلا عن مقال ــ( بعنوان : زيارة سيدي عابد )ــ بقلم الأستاذ الزّاهري العضو الإداري لجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين ــ( رحمه الله )ــ , والذي نشرته جريدة الصّراط السّوي في عددها الثالث  عشر الصّادر يوم الاثنين 23 شعبان 1352 هجريّة المُوافق ل 11 ديسمبر 1933 للميلاد :

        << وكان من نصيبي أنا أن تقدّمت منّي فتاة ذات حسن وجمال , وقدّ واعتدال , في عينيها حلاوة وسحر , وفي حديثها عذوبة وسمر , وفي ملامحها دهاء ومكر , وقالت لي : ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ؟ ! قلت : بلى , ومن ذا الذي لا يُحبّ أن يغفر الله له ؟ ! قالت : هلمّ بي إذن إلى هذه الأرجوحة ولتركب معي هذه << الطّيارة >> وادفع عنّي أنت ثمن الطّيران , وكان أصحاب الأراجيح قد انهالوا على سيدي عابد بأكثر من مائة وخمسين أرجوحة , وكانت كلّها لا تفتر عن العمل لحظة واحدة كلّ أيّام الزّيارة ليلا ولا نهارا . وواصلت كلامها وقالت : نطير خمس دقائق كاملة , ولا يُكلّفك ذلك غير فرنكين فقط , قلت : وإذا سقطت بنا هذه << الطّيارة >> إلى الأرض , أفلا يُكلّفنا ذلك حياتنا , ويُكلّفنا على الأقلّ علاجا كثيرا , وعناء طويلا ؟ قالت : لا تخف , إنّها ليست << طيّارة >> حقيقيّة بل هي << ألعوبة >> من << الألاعيب >> قد رُبطت ربطا مُحكما على هذا القطب الذي تدور حوله هي وأخواتها , فقلت لها : خذي هذا المبلغ , وهو يكفيك ثمنا لهذا الطّيران بضع مرّات , ودعيني أنا وشأني واتركي سبيلي , ثمّ نفحتها بضعة فرنكات بقبضتها , وقالت : ولكنّني أنا في حاجة إلى من يركب معي كي يحميني من السّقوط , ويُساعدني إن أقتضي الحال وانظر إلى هؤلاء الأوانس والفتيات اللاّئي لا يأخذهنّ إحصاء قد ملأن هذه الأراجح كلّها , وامتطين كلّ ما فيها من << طيّارات >> و << سيّارات >> و << عربات >> و << زوارق >> ومراكب ومقاعد وما من واحدة منهنّ إلاّ وقد ركب إلى جانبها صاحبها وخليلها من الشّبّان , قلت : ولكنّي أنا لا أصلح أن أكون لك صاحبا ولا خليلا , قالت : ولماذا ؟ قلت : لأنّي لست من هؤلاء الشّبّان , قالت : ومن تكون أنت إذن ؟ قلت : أنا من الشّيوخ , قالت << بلهجة الاستنكار >> أنت من الشّيوخ وليس في لحيتك شعرة بيضاء ؟ إنّ هذا لعجب عُجاب , واستنجدتُُ أنا بأحد معارفي فقال لها دعيه إنّه عالم , قالت : وهل العالم خير من << المُرابطين >> ؟ قال : لا , قالت : كم من ليلة لهوتها مع المُرابطين ! قال لها ولكن هذا عالم لا يرغب في ريبة ولا لهو , قالت : يجب عليه إذن أن يقعد في بيته وأن لا يحضر هذه << الزّيارة >> التي هي كلّها ريبة ولهو وهنا عجزنا هن مُجاوبتها فتركناها ومضينا نشق طريقنا . . . >> .